الآية 171 - 180

﴿ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون (171) يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبت ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (172)﴾

وقيل: السوء يعم القبائح، والفحشاء ما تجاوز الحد في القبح من الكبائر.

وقيل: الأول: ما لا حد فيه، والثاني: ما شرع فيه الحد.

وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون: كاتخاذ الأنداد، وتحليل المحرمات، وتحريم المحللات.

وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله: الضمير للناس، وعدل عن الخطاب معهم للنداء على ضلالتهم، كأنه التفت إلى العقلاء وقال لهم: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يجيبون ؟!.

قالوا بل نتبع ما ألفينا: وجدنا.

عليه آباءنا: نزلت في المشركين أمروا باتباع القرآن وسائر ما أنزل الله من الحجج والآيات، فجنحوا إلى التقليد.

وقيل: في طائفة من اليهود دعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الاسلام، فقالوا ذلك، وقالوا: إن آبائنا كانوا خيرا منا.

أولو كان ء اباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون: " الواو " للحال، أو لعطف، والهمزة للرد والتعجب، وجواب " لو " محذوف، أي لو كان آباؤهم جهلة لا تبعوهم ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء: على حذف مضاف، تقديره: ومثل داعي الذين كفروا كمثل الذي ينعق، أو مثل الذين كفروا كمثل البهائم الذي ينعق، والمعنى أن مثل الذين كفروا في دعائك إياهم، أي مثل الداعي لهم إلى الايمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنما تسمع الصوت، فكما أن الانعام لا يحصل لها من دعاء الراعي إلا السماع دون تفهم المعنى، فكذلك الكفار لا يحصل لهم من دعائك إياهم إلى الايمان إلا السماع دون تفهم المعنى، لأنهم يعرضون عن قبول قولك و ينصرفون عن تأمله، فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه، وهذا كما تقول العرب: فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى كخوفه من الأسد، وأضاف الخوف إلى الأسد، وهو في المعنى مضاف إلى الرجل، قال: فلست مسلما ما دمت حيا * على زيد بتسليم الأمير (1) يراد بتسليمي على الأمير، وقيل: هو تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها، بالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته، أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالناعق في نعقه، وهو التصويت على البهائم، والأول هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) على ما في مجمع البيان (2).

صم بكم عمى: رفع على الذم.

فهم لا يعقلون: أي بالفعل، للاخلال بالنظر.

﴿إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173)﴾

يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبت ما رزقناكم: لما وسع الامر على الناس كافة، وأباح لهم ما في الأرض سوى ما حرم عليهم، أمر المؤمنين منهم أن يتحروا طيبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها، فقال: واشكروا لله: على ما رزقكم وأحل لكم.

إن كنتم إياه تعبدون: إن صح أنكم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه مولى النعم، فإن عبادته لا تتم إلا بالشكر، فالمعلق بفعل العبادة هو الامر بالشكر لاتمامه، وهو عدم عند عدمه.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول الله تعالى: إني والانس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري (3).

إنما حرم عليكم الميتة: أكلها والانتفاع بها، وهي التي ماتت من غير ذكاة، والحرمة المضافة إلى العين تفيد عرفا حرمة التصرف فيها مطلقا إلا ما استثني كما سيجئ.

والدم ولحم الخنزير: إنما خص اللحم بالذكر، لأنه معظم ما يؤكل من الحيوان، وسائر أجزائه كالتابع له.

وما أهل به لغير الله: أي رفع به الصوت عند ذبحه للصنم، والاهلال أصله رؤية الهلال، لكن لما جرت العادة أن يرفع الصوت بالتكبير إذا رئي سمي ذلك إهلالا، ثم قيل لرفع الصوت وإن كان لغيره.

وفي كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، في باب ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله من العلل: وحرم الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة، ولما أراد الله عز وجل أن يجعل التسمية سبب التحليل وفرقا بين الحلال والحرام، وحرم الله الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الأبدان، ولما يورث الماء الأصفر، ويبخر الفم، وينتن الريح، ويسئ الخلق، ويورث القسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه، وحرم الخنزير لأنه مشوه جعله الله تعالى عظة للخلق وعبرة وتخويفا ودليلا على ما مسخ على خلقته، ولان غذاءه أقذر الأقذار مع علل كثيرة، وكذلك حرم القردة لأنه مسخ مثل الخنزير وجعل عظة وعبرة للخلق ودليلا على ما مسخ على خلقته و صورته، وجعل فيه شبيها من الانسان ليدل على أنه من الخلق المغضوب عليه، وحرم ما أهل به لغير الله للذي أوجب الله عز وجل على خلقه من الاقرار به، وذكر اسمه على الذبائح المحللة، ولئلا يسوي بين ما تقرب إليه وبين ما جعل عبادة الشياطين والأوثان، لان في تسمية الله عز وجل الاقرار بربوبيته وتوحيده وما في الاهلال لغير الله من الشرك والتقرب به إلى غيره، ليكون ذكر الله تعالى وتسميته على الذبيحة فرقا بين ما أحل الله وبين ما حرم الله (4).

وفي كتاب علل الشرايع: بإسناده إلى محمد بن عذافر، عن بعض رجاله، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: لم حرم الله عز وجل الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟قال: إن الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما سوى ذلك، من رغبة فيما أحل لهم، ولا زهد فيما حرم عليهم، ولكنه عز وجل خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحل لهم وأباحه، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم، ثم أحله للمضطر في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك، ثم قال: الميتة فإنه لم ينل أحد منها إلا أضعفت بدنه و أوهنت قوته وانقطع نسله، ولا يموت آكل الميتة إلا فجأة، وأما الدم فيورث أكله الماء الأصفر ويورث الكلب وقساوة القلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن على حميمه ولا يؤمن على من صحبه، وأما لحم الخنزير فإن الله عز وجل مسخ قوما في صور شتى مثل الخنزير والقرد والدب، ثم نهى عن أكل المثلة لكيما ينتفع بها ولا يستخف بعقوبته، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (5).

وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: عشرة أشياء من الميتة ذكية العظم، والشعر، والصوف، والريش، والقرن، والحافر، والبيض، والإنفحة، واللبن، والسن (6).

وفي الكافي: محمد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عاصم بن حميد، عن علي بن أبي المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، الميتة ينتفع بشئ منها؟قال: لا، قلت: بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر بشاة ميتة فقال: ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها، أن ينتفعوا بإهابها، أي تزكى (7).

فمن اضطر غير باغ ولا عاد: قيل: الباغي: المستأثر على مضطر آخر، والعادي: المتجاوز سد الرمق.

وفي كتاب معاني الأخبار: بإسناده إلى البزنطي، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال: الباغي: الذي يخرج على الإمام العادل، والعادي الذي يقطع الطريق، لا تحل لهما الميتة (8).

وفي الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال: الباغي: باغي الصيد، والعادي: السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.

(9) وفي من لا يحضره الفقيه: روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) قال: قلت يا بن رسول الله، فما معنى قوله عز وجل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال: العادي: السارق، والباغي: الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا، لا ليعود به على عياله، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا، هي حرام عليهما في حال الاضطرار، كما هي حرام عليهما في حال الاختيار (10).

وبالاضطرار يحل عموم المحرمات.

يدل عليه ما رواه في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطباء فيقولون: نداويك شهرا، أو أربعين ليلة مستلقيا كذلك يصلي؟فرخص في ذلك، وقال: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه " (11).

وفي من لا يحضره الفقيه: وفي رواية محمد بن عمرو بن سعيد، رفعه عن امرأة أتت عمر فقالت: يا أمير المؤمنين إني فجرت فأقم علي حدود الله عز وجل، فأمر برجمها، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) حاضرا فقال: سلها كيف فجرت فسألها، فقالت: كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد، فرفعت لي خيمة.

﴿إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب و يشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (174)﴾

فأتيتها فأصبت فيها رجلا أعرابيا فسألته ماء فأبى علي أن يسقيني إلا أكون أن أمكنه من نفسي، فوليت منه هاربة فاشتد بي العطش حتى غارت عيناي وذهب لساني، فلما بلغ مني العطش أتيته فسقاني ووقع علي.

فقال علي (عليه السلام): هي التي قال الله عز وجل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " هذه غير باغية ولا عادية، فخلى سبيلها، فقال عمر: لولا علي لهلك عمر (12).

ويجب تناول المحرم عند الاضطرار.

قال الصادق (عليه السلام): من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير، فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر (13).

فلا إثم عليه: في تناوله.

إن الله غفور: لما فعل.

رحيم: بالرخصة فيه.

فإن قلت: " إنما " يفيد القصر على ما ذكر، وكم من محرم لم يذكر؟قلت: المراد قصر الحرمة على ما ذكر مما استحلوه، لا مطلقا، أو قصر حرمته على حال الاختيار، كأنه قيل: إنما حرم عليكم هذه الأشياء ما لم تضطروا إليها.

إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب ويشترون به ثمنا.

﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار (175) ذلك بأن الله نزل الكتب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتب لفى شقاق بعيد (176)﴾

قليلا: عوضا حقيرا.

أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار: أما في الحال لأنهم أكلوا ما ينسب إلى النار، أو في المآل أي يوم القيامة، ومعنى (في بطونهم) ملاء بطونهم، يقال: أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه.

ولا يكلمهم الله يوم القيمة: عبارة عن غضبه عليهم.

ولا يزكيهم: ولا شئ عليهم.

ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى: في الدنيا.

والعذاب بالمغفرة: في الآخرة بكتمان الحق.

فما أصبرهم على النار: تعجب من حالهم في الالتباس بموجبات النار من غير مبالاة، و (ما) تامة مرفوعة بالابتداء، وتخصيصها كتخصيص (شر أهر ذا ناب) (14) أو استفهامية وما بعد، الخبر أو موصولة، وما بعدها صلة والخبر محذوف.

وفي أصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " فما أصبرهم على النار "، فقال: ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار (15).

وفي مجمع البيان: قول الله عز وجل: " فما أصبرهم على النار " فيه أقوال: إحداها: أن معناه ما أجرأهم على النار، رواه علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، والثاني: ما أعملهم بأعمال أهل النار وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (16).

ذلك: أي العذاب.

بأن الله نزل الكتب بالحق: أي بسبب أن الله نزل الكتاب بالحق فرفضوه بالكتمان والتكذيب.

وإن الذين اختلفوا في الكتب: اللام فيه إما للجنس، واختلافهم: إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض آخر، أو للعهد، والإشارة إما إلى التوراة، واختلفوا بمعنى تخلفوا عن المنهج المستقيم في تأويلها، أو خلفوا خلاف ما أنزل الله مكانه، أي حرفوا فيها، أو اختلفوا بمعنى أن بعضهم آمنوا به وبعضهم أحرفوه عن مواضعه.

وأما إلى القرآن، واختلافهم: قولهم سحر، وتقول، وكلام علمه بشر، وأساطير الأولين.

لفى شقاق بعيد: لفي خلاف بعيد عن الحق.

﴿ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمسكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177)﴾

ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب: البر: كل فعل مرضي، والخطاب لأهل الكتاب فإنهم أكثر، والخوض في أمر القبلة حين حولت وادعى كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلته فرد الله عليهم، وقال: ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ، ولكن البر ما بينه واتبعه المؤمنون.

وقيل: عام لهم وللمسلمين، أي ليس البر مقصورا بأمر القبلة، أوليس البر العظيم الذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها.

وقرأ حمزة وحفص: ليس البر بالنصب (17).

ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين: أي ولكن البر الذي ينبغي أن يهتم به، بر من آمن، أو ولكن ذا البر من آمن، ويؤيده قراءة: ولكن البار.

والمراد بالكتاب: الجنس أو القرآن.

وقرأ نافع وابن عامر (ولكن) بالتخفيف ورفع البر (18).

وآتى المال على حبه: أي على حب المال، أو على حب الله، أو على حب الايتاء.

والجار والمجرور في موضع الحال.

ذوي القربى: قدمه لأنه أفضل، كما روي عنه (عليه السلام): صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي رحمك اثنتان، صدقة وصلة (19).

ويحتمل أن يكون المراد قرابة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (20).

واليتامى: جمع يتيم وهو من الأطفال من فقد أباه.

والمسكين: جمع المسكين، وهو الذي أسكنته الخلة، وأصله دائم السكون، كالمسكير دائم السكر.

وابن السبيل: المسافر، سمي به لملازمته السبيل، كما سمي القاطع ابن الطريق، وقيل: الضيف.

والسائلين: الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال.

قال (عليه السلام): للسائل حق وإن جاء على فرس (21).

وفي من لا يحضره الفقيه: في الحقوق المروية عن علي بن الحسين (عليهما السلام): وحق السائل إعطاؤه على قدر حاجته، وحق المسؤول إن أعطى، فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله، وإن منع فاقبل عذره (22).

وفى الرقاب: في تخليصها، كمعاونة المكاتبين، وفك الأسارى، وابتياع الرقاب لعتقها.

وأقام الصلاة: المفروضة.

وآتى الزكاة: المراد منها الزكاة المفروضة، والغرض من الأول أما بيان مصارفها، أو نوافل الصدقات.

والموفون بعهدهم إذا عهدوا: عطف على من آمن.

والصابرين في البأساء والضراء: نصب على المدح ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال، وعن الأزهري: البأساء في الأموال كالفقر، والضراء في الأنفس كالمرض.

(23) وفي عيون الأخبار: بإسناده إلى الحارث بن دلهاث - مولى الرضا (عليه السلام) - قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال، سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه، إلى قوله: أما السنة من وليه فالصبر على البأساء والضراء، فإن الله تعالى يقول: " والصابرين في البأساء والضراء " (24).

وفي تفسير علي بن إبراهيم قوله: " والصابرين في البأساء والضراء " قال: في الجوع والخوف والعطش والمرض (25).

وحين البأس: قال: عند القتل.

أولئك الذين صدقوا: في الدين واتباع الحق وطلب البر.

وأولئك هم المتقون: عن الكفر وسائر الرذائل.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: إن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه، لأن هذه الشروط شرط الايمان وصفات الكمال، وهي لا توجد إلا فيه وفي ذريته الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين (26).

﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (178)﴾

يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى: كان في الجاهلية بين حيين من أحياء العرب دماء وكان لأحدهما طول على الآخر، فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد والذكر بالأنثى، فلما جاء الاسلام تحاكموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنزلت، وأمرهم أن يتكافئوا.

وعن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى "، فقال: لا يقتل حر بعبد، ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم دية العبد، وإن قتل رجل امرأة فأراد أولياء المقتول أن يقتلوا أدوا نصف ديته إلى أهل الرجل (27).

وفي تهذيب الأحكام: صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت: قول الله تعالى: " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال: لا يقتل حر بعبد، ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم ثمن العبد (28).

وفي مجمع البيان: نفس الرجل لا تساوي نفس المرأة، بل هي على النصف منها، فيجب إذا اخذت النفس الكاملة بالناقصة أن يرد فضل ما بينهما (29)، وكذلك رواه الطبري في تفسيره عن علي (عليه السلام) (30).

وفيه قال الصادق (عليه السلام): لا يقتل حر بعبد، ولكن يضرب ضربا شديدا، ويغرم دية العبد (31).

فمن عفى له من أخيه شئ: أي شئ من العفو، لأنه عفا لازم، وفائدته الاشعار بأن بعض العفو كالعفو التام في إسقاط القصاص.

وقيل: (عفا) بمعنى ترك، و (شئ) مفعول به، وهو ضعيف إذ لم يثبت عفا الشئ بمعنى تركه، بل أعفاه وعفى، يعدى ب? (عن) إلى الجاني وإلى الذنب، قال الله تعالى: " عفا الله عنك " (32).

وقال: عفا عنها، وإذا عدي به إلى الذنب، عدي إلى الجاني باللام وعليه ما في الآية، كأنه قيل: فمن عفي له عن جنايته من جهة أخيه، يعني ولي الدم.

وذكره بلفظ الاخوة - الثابتة بينهما من الجنسية والاسلام - ليرق له ويعطف عليه.

فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان: أي فليكن اتباع، أو فالامر اتباع، والمراد وصية العافي بأن يطالب الدية بالمعروف فلا يعنف، والمعفو عنه بأن يؤديها بإحسان، وهو أن لا يمطل (33) ولا يبخس.

وفي الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: " فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال: ينبغي للذي له الحق أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية، وينبغي للذي عليه الحق أن لا يمطل أخاه إذا قدر على ما يعطيه ويؤدي إليه بإحسان (34).

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال: هو الرجل يقبل الدية، فينبغي للطالب أن يرفق به ولا يعسره، وينبغي للمطلوب أن يؤدي ولا يمطله إذا قدر (35).

أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف و أداء إليه باحسان " ما ذلك الشئ؟قال: هو الرجل يقبل الدية، فأمر الله عز وجل الذي له الحق أن يتبعه بمعروف ولا يعسره، وأمر الذي عليه الحق أن يودي إليه بإحسان إذا أيسر.

(36).

ذلك: أي الحكم المذكور في العفو والدية.

تخفيف من ربكم ورحمة: لما فيه من التسهيل والنفع، وقيل: كتب على اليهود: القصاص وحده، وعلى النصارى: العفو مطلقا، وخير هذه الأمة بينهما وبين الدية تيسيرا عليهم.

فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم: وفي الحديث السابق قال سماعة: قلت: أرأيت قوله عز وجل: " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " قال: هو الرجل يقبل الدية أو يصالح، ثم يجئ بعد فيمثل أو يقتل، فوعده الله عذابا أليما (37).

﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون (179) كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للولدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين (180) ﴾

1- سورة البقرة: الآية 257.

2- عن الأصمعي قال: كان أعرابيان متواخيين بالبادية غير أن أحدهما استوطن الريف واختلف إلى باب الحجاج بن يوسف واستعمله على أصبهان فسمع أخوه الذي بالبادية فضرب إليه فأقام ببابه حينا لا يصل إليه ثم أذن له بالدخول، فأخذه إلى جب فمشى به وهو يقول: سلم على الأمير، فلم يلتفت إلى قوله: ثم أنشأ يقول: فلست مسلما ما دمت حيا إلى آخره، قال زيد: لا أبالي، فقال الاعرابي: أتذكر إذ لحافك جلد شاة * وإذ نعلاك من جلد البعير؟فقال: نعم، فقال الاعرابي: فسبحان الذي أعطاك ملكا * وعلمك الجلوس على السرير تاريخ بغداد: ج 1، ص 251.

3- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 254، قال في بيان المعنى لآية 171، من سورة البقرة بعد نقل المعنى الأول: وهذا معنى قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتاده، وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام).

4- رواه في الكشاف: ج 1، ص 214، في تفسير الآية 172، من سورة البقرة، وقال في هامش الكشاف: ج 1، ص 214، ما لفظه: أخرجه الطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في الشعب من رواية بقية، حدثنا صفوان بن عمر حدثني عبد الرحمن بن جبير النفير وشريح بن عبيد عن أبي الدرداء عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: قال الله عز وجل.. إلى آخره.

5- عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 93 - 94، باب 33، في ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله مع تقديم وتأخير في بعض العبارات.

6- علل الشرايع: ج 2، ص 483، باب 237، ح 1، وفي النسخ المطبوعة والمخطوطة (ثم نهى عن أكل المثلة) والظاهر أنه تصحيف والصحيح (ثم نهى عن أكل الثلاثة) أي الخنزير والقرد والدب.

7- الخصال: باب العشرة، ص 434، ح 19.

8- الكافي: ج 6، ص 259، كتاب الأطعمة، باب ما ينتفع به من الميتة وما لا ينتفع به منها، الحديث 7، وتمام الحديث (قال: تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى آخره.

9- معاني الأخبار: ص 213، باب معنى الباغي والعادي، ح 1.

10- الكافي: ج 3، ص 438. كتاب الصلاة، باب صلاة الملاحين والمكارين وأصحاب الصيد.. ح 7.

11- الفقيه: ج 3، ص 217، باب 96، الصيد والذبائح، قطعة من حديث 97.

12- الكافي: ج 3، ص 410، كتاب الصلاة، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح 4.

13- الفقيه: ج 4، ص 25، باب 4، ما يجب به التعزير والحد والرجم والقتل والنفي في الزنا، ح 40.

14- الفقيه: ج 3، ص 218، باب 96 الصيد والذبائح، ح 98.

15- يقال: (أهر) إذا حمله على الهرير، و (شر) رفع بالابتداء، وهو نكرة وشرط النكرة أن لا يبتدأ بها حتى تخصص بصفة، كقولنا رجل من بني تميم فارس، وابتدؤوا بالنكرة هاهنا من غير صفة، وإنما جاز ذلك؟لان المعنى: ما أهر ذا ناب إلا شر، وذو الناب: السبع، يضرب في ظهور إمارات الشر ومخايله. مجمع الأمثال للميداني: ج 1، ص 370، الباب الثالث عشر فيما أوله الشين.

16- الكافي: ج 2، ص 269، كتاب الايمان والكفر، باب الذنوب، ح 2.

17- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 259.

18- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 261.

19- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 261.

20- الدر المنثور للسيوطي: ج 1، ص 415، في تفسيره لقوله تعالى: (ذوي القربى).

21- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 263، في بيان المعنى لآية 177، من سورة البقرة.

22- الدر المنثور للسيوطي: ج 1، ص 415، في تفسيره لقوله تعالى (والسائلين).

23- الفقيه: ج 2، ص 381، باب الحقوق.

24- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 98.

25- عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 256، باب 26، ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار النادرة في فنون شتى، ح 9، وتمام الحديث (قال بعد قوله: وسنة من وليه: فالسنة من ربه كتمان سره قال الله عز وجل: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول " وأما السنة من نبيه فمداراة الناس، فإن الله عز وجل أمر نبيه بمداراة الناس فقال: " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " و أما السنة من وليه إلى آخره.

26- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 1، ص 64، في تفسير قوله تعالى: " والصابرين في البأساء والضراء ".

27- لم أعثر على حديث بهذه الألفاظ.

28- تفسير العياشي: ج 1، ص 75، ح 158.

29- التهذيب: ج 10، ص 191، باب 14، القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار والعبيد والأحرار، ح 51.

30- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 265 في بيان المعنى لآية 178، من سورة البقرة.

31- جامع البيان للطبري: ج 2، ص 62.

32- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 275، في بيان المعنى لآية 178، من سورة البقرة.

33- سورة التوبة: الآية 43.

34- المطل: التسويف والمدافعة بالعدة والدين.. وفي الحديث: مطل الغني ظلم. لسان العرب: ج 11، ص 624 في لغة " مطل ".

35- الكافي: ج 7، كتاب الديات، ص 358، باب الرجل يتصدق بالدية على القاتل. قطعة من حديث 1.

36- الكافي: ج 7، كتاب الديات، ص 358، باب الرجل يتصدق بالدية على القاتل. قطعة من حديث 2.

37- الكافي: ج 7، كتاب الديات، ص 359، باب الرجل يتصدق بالدية على القاتل. قطعة من حديث 4.