الآية 151 - 159

﴿كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (151)﴾

لأنهم يسوقونها مساقها كقوله تعالى: " حجتهم داحضة " (1).

وقيل: الحجة بمعنى الاحتجاج.

وقيل: الاستثناء للمبالغة في نفي الحجة رأسا، كقوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب (2) للعلم بأن الظالم لا حجة له.

وقرئ: ألا الذين ظلموا، على أنه استئناف بحرف التنبيه.

فلا تخشوهم: فإن مطاعنهم لا تضركم.

واخشوني: ولا تخالفوني ما أمرتكم به.

ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون: إما علة لمحذوف، أي أمرتكم لاتمام نعمتي عليكم وإرادتي اهتداءكم، أو معطوف على علة مقدرة، أي اخشوني لأحفظكم عنهم ولاتم نعمتي عليكم، أو على (لئلا يكون).

كما أرسلنا فيكم رسولا منكم: إما متصل بما قبله، أي ولاتم نعمتي عليكم في أمر القبلة، أو في الآخرة كما أتمها بإرسال الرسل، أو بما بعده أي كما.

﴿فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (152) يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصبرين (153)﴾

ذكرتكم بالارسال فاذكروني.

يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم: يحملكم على ما به تصيرون أزكياء.

ويعلمكم الكتب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون: بالفكر والنظر ولا طريق له سوى الوحي.

وتكرير الفعل للدلالة على أنه جنس آخر.

فاذكروني: بالطاعة.

أذكركم: بالثواب.

واشكروا لي: ما أنعمت به عليكم.

ولا تكفرون: بجحد النعم وعصيان الامر.

وفي كتاب معاني الأخبار بإسناده إلى أبي الصباح بن نعيم العابدي، عن محمد بن مسلم قال في حديث طويل في آخره: تسبيح فاطمة الزهراء من ذكر الله الكثير الذي قال عز وجل: " فاذكروني أذكركم " (3).

وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في حديث طويل: الوجه الثالث من الكفر كفر النعم، قال: فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (4).

وفي تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: " ولذكر الله أكبر " (5) يقول: ذكر الله لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه، ألا ترى أنه يقول: اذكروني أذكركم (6).

وفي روضة الكافي: باسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، في حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير، فاعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته (7).

وفي مجمع البيان: وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إن الملك ينزل الصحيفة من أول النهار وأول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم، فأملوا في أولها خيرا وفي آخرها خيرا، فإن الله يغفر لكم ما بين ذلك، إن شاء الله، فإنه يقول: " اذكروني أذكركم " (8).

وفي كتاب الخصال فيما أوصى به النبي عليا (عليه السلام): ثلاث لا تطيقها هذه الأمة: المواساة للأخ في ماله، وإنصاف الناس من نفسه، وذكر الله على كل حال، وليس هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولكن إذا ورد على ما يحرم الله عليه خاف الله عنده وتركه (9).

وعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: العبد بين ثلاثة: بلاء وقضاء ونعمة، فعليه في البلاء من الله الصبر فريضة، وعليه في القضاء من الله التسليم فريضة، وعليه في النعمة من الله الشكر فريضة (10).

وعن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام): ومن قال: الحمد لله، فقد أدى شكر كل نعم الله تعالى (11).

وفيما علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه: اذكروا الله في كل مكان فإنه معكم (12).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل له: وشكر كل نعمة الورع عما حرم الله تعالى (13).

يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر: عن المعاصي وحظوظ النفس.

والصلاة: التي هي عماد الدين.

إن الله مع الصبرين: بالنصرة وإجابة الدعوة.

في مصباح الشريعة: قال الصادق (عليه السلام) في كلام طويل: ومن استقبل البلايا بالرحب، وصبر على سكينة ووقار، فهو من الخاص، ونصيبه ما قال الله عز وجل: " إن الله مع الصابرين " (14).

وفي تفسير العياشي: عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: يا فضيل، بلغ من لاقيت من موالينا عنا السلام وقل لهم: إني أقول: لا أغني عنكم من الله شيئا إلا بورع، فاحفظوا ألسنتكم وكفوا أيديكم وعليكم بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين (15).

﴿ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموت بل أحياء ولكن لا تشعرون (154) ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع و نقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصبرين (155) الذين إذا أصبتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156)﴾

ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموت: أي هم أموات.

بل أحياء: أي بل هم أحياء.

ولكن لا تشعرون: ما حالهم.

والآية نزلت في شهداء بدر كانوا أربعة عشر.

وفي مجمع البيان: (بل أحياء) قيل فيه أقوال: الرابع: أن المراد أحياء لما نالوا من جميل الذكر والثناء، كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله: هلك خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم (16) في القلوب موجودة (17).

وفيه: روى الشيخ أبو جعفر في كتاب تهذيب الأحكام مسندا إلى علي بن مهزيار عن الحسن، عن القاسم بن محمد، عن الحسين بن أحمد، عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) جالسا فقال: ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟قلت: يقولون: تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): سبحان الله، المؤمن أكرم على الله من ذلك، أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر، يا يونس المؤمن إذا قبضه الله تعالى صير روحه في قالب كقالبه في الدنيا، فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا (18).

وعنه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أرواح المؤمنين؟فقال في الجنة، على صور أبدانهم، لو رأيته لقلت فلان (19).

وفي الحديث أنه يفسخ له مد بصره، ويقال له: نم نومة العروس (20).

ولنبلونكم: أي ولنصيبنكم إصابة من يختبر لأحوالهم، هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء.

بشئ من الخوف والجوع: أي بقليل من ذلك بالقياس إلى ما وقاهم عنه، أو بالنسبة إلى ما يصيب معانديهم في الآخرة.

والاخبار به قبل الوقوع، للتوطين.

ونقص من الأموال والأنفس والثمرات: عطف على شئ، أو الخوف.

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة، بإسناده إلى محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن لقيام (21) القائم (عليه السلام) علامات تكون من الله عز وجل للمؤمنين، قلت: فما هي جعلني الله فداك؟قال: ذلك قول الله عز وجل: (ولنبلونكم) يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام) (بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) قال: يبلوهم بشئ من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم (والجوع) بغلاء أسعارهم (ونقص من الأموال) قال: كساد التجارات وقلة الفضل (و) نقص من (الأنفس) قال: موت ذريع ونقص من (الثمرات) لقلة ريع ما يزرع (وبشر الصابرين) عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام)، قال: يا محمد هذا تأويله، إن الله عز وجل يقول: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " (22) (23) وفي تفسير العياشي: عن الثماني قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " لنبلونكم بشئ من الخوف والجوع "؟قال: ذلك جوع خاص وجوع عام، فأما بالشام فإنه عام، وأما الخاص بالكوفة يخص ولا يعم، ولكنه يخص بالكوفة أعداء آل محمد (عليه الصلاة والسلام) فيهلكهم الله بالجوع، وأما الخوف فإنه عام بالشام، وذلك الخوف إذا قام القائم (عليه السلام)، وأما الجوع فقبل قيام القائم (عليه السلام)، وذلك قوله: " ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع " (24).

وفي كتاب علل الشرائع، باسناده إلى سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن في كتاب علي (عليه السلام): إن أشد الناس بلاء النبيون ثم الوصيون ثم الأمثل فالأمثل، وإنما ابتلي المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صح دينه وصح عمله اشتد بلاؤه، وذلك أن الله عز وجل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ولا عقوبة لكافر، ومن سخف دينه وضعف عمله قل بلاؤه، والبلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض (25).

وفي نهج البلاغة: إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب ويقلع مقلع، ويتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر (26).

وبشر الصبرين * الذين إذا أصبتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون: الخطاب للرسول، أو لمن تتأتى منه البشارة.

والمصيبة تعم ما يصيب الانسان من مكروه.

﴿أولئك عليهم صلوت من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (157) * إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم (158)﴾

أولئك عليهم صلوت من ربهم ورحمة: الصلاة في الأصل الدعاء، ومن الله التزكية والمغفرة وجمعها للتنبيه على كثرتها وتنوعها، والمراد بالرحمة اللطف والاحسان وفي كتاب الخصال، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله تعالى: إني أعطيت الدنيا بين عبادي قيضا (27)، فمن أقرضني قرضا أعطيته بكل واحدة منها عشرا إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك، ومن لم يقرضني منها قرضا فأخذت منه قسرا (28) أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا: الصلاة، والهداية، والرحمة.

إن الله تعالى يقول: " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم " واحدة من الثلاث، و " رحمة " اثنتين.

وأولئك هم المهتدون: ثلاث.

ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا (29).

وعن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع خصال من كن فيه كان في نور الله الأعظم، من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ومن إذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون الحديث (30) وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن أبي المفضل المنشائي، عن هارون بن فضل قال: رأيت أبا الحسن علي بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون مضى أبو جعفر (عليه السلام)، فقيل له: وكيف عرفت؟قال: لأنه قد دخلني ذلة لم أكن أعرفها (31).

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن حزبوذ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند ذكره المصيبة ويصبر حين تفجأه إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وكلما ذكر مصيبة فاسترجع عند ذكر المصيبة غفر الله له كل ذنب فيما بينهما (32).

علي، عن ابن أبي عمير، عن داود بن رزين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من ذكر مصيبته ولو بعد حين فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين، اللهم آجرني على مصيبتي واخلف علي أفضل منها، كان له من الاجر مثل ما كان عند أول صدمته (33).

علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد رفعه قال: جاء أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أشعث بن قيس يعزيه بأخ له فقال له: إن جزعت فحق الرحم أتيت، وإن صبرت فحق الله أديت، على أنك إن صبرت جرى القضاء وأنت محمود، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم، فقال له الأشعث: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أتدري ما تأويلها؟فقال الأشعث: لا، أنت غاية العلم ومنتهاة، فقال له: أما قولك: إنا لله فإقرار منك بالملك، وأما قولك: وإنا إليه راجعون فإقرار منك بالهلاك (34).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: وسئل أبو عبد الله (عليه السلام)، ما بلغ من حزن يعقوب؟قال: حزن سبعين ثكلى على أولادها، وقال: إن يعقوب لم يعرف الاسترجاع فيها، وا أسفي على يوسف (35).

وفي نهج البلاغة وقال (عليه السلام): وقد سمع رجلا يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون فقال: قولنا: إنا لله إقرار على أنفسنا بالملك، وقولنا: وإنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلاك (36).

وفي مجمع البيان: وفي الحديث: من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته، و أحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه (37).

وقال (عليه السلام): من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا وإن تقادم عهدها، كتب الله من الاجر مثل يوم أصيب (38).

وذكر الشيخ جمال الدين (39) - قدس الله روحه - في كتاب نهج الحق، عن ابن مردويه - من طريق العامة - بإسناده إلى ابن عباس، قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لما وصل إليه قتل عمه حمزة: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فنزلت هذه الآية، وبشر الصابرين الآية، وهو القائل عند تلاوتها: إنا لله إقرار بالملك، وإنا إليه راجعون إقرار بالهلاك (40).

إن الصفا والمروة: علما جبلين بمكة.

وفي كتاب علل الشرايع بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمي الصفا صفا، لان المصطفى آدم هبط عليه فقطع للجبل اسم من اسم آدم (عليه السلام)، يقول الله عز وجل: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين " (41) وقد هبطت حواء على المروة، وإنما سميت المروة مروة لأن المرأة هبطت عليها فقطع للجبل اسم من اسم المرأة (42).

من شعائر الله: أعلام مناسكه، جمع شعيرة، وهي العلامة.

فمن حج البيت أو اعتمر: الحج لغة: القصد، والاعتمار الزيارة، فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين.

فلا جناح عليه أن يطوف بهما: قيل كان (أساف) على الصفا و (نائلة) على المروة (43) وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوها، فلما جاء الاسلام وكسر الأصنام تحرج المسلمون أن يطوفوا بهما لذلك، فنزلت.

والاجماع على أنه مشروع في الحج والعمرة، والخلاف في وجوبه، وذهب بعض العامة إلى عدم وجوبه.

وفي من لا يحضره الفقيه روى عن زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا: قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟فقال: إن الله عز وجل يقول: " إذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " فصار التقصير في السفر واجبا، كوجوب التمام في الحضر (44) فقال (عليه السلام) أوليس قد قال الله عز وجل في الصفا والمروة: " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض، لان الله عز وجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه (عليه السلام) وكذلك التقصير في السفر شئ صنعه النبي (صلى الله عليه وآله) وذكره الله تعالى ذكره في كتابه (45).

وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن معاوية بن حكيم، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسن بن علي الصيرفي، عن بعض أصحابنا قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أم سنة؟فقال: فريضة، قلت: أوليس قال الله عز وجل: " فلا جناح عليه أن يطوف بهما "؟قال: كان ذلك في عمرة القضاء، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شرط عليهم (46) أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة، فتشاغل رجل وترك السعي حتى انقضت الأيام وأعيدت الأصنام، فجاؤوا إليه فقالوا: يا رسول الله، إن فلانا لم يسع بين الصفا والمروة، وقد أعيدت الأصنام، فأنزل الله عز وجل: " فلا جناح عليه أن يطوف بهما " أي وعليهما الأصنام (47).

وفي علل الشرائع بإسناده إلى معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن إبراهيم (عليه السلام) لما خلف إسماعيل بمكة عطش الصبي، وكان فيما بين الصفا والمروة شجرة، فخرجت أمه حتى قامت على الصفا فقالت: هل بالوادي من أنيس؟فلم يجبها أحد، فمضت حتى انتهت إلى المروة، فقالت: هل بالوادي من أنيس؟فلم يجبها أحد، ثم رجعت إلى الصفا فقالت كذلك، حتى صنعت ذلك سبعا، فأجرى الله ذلك سنة، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (48).

وبإسناده إلى معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صار السعي بين الصفا والمروة، لان إبراهيم (عليه السلام) عرض له إبليس، فأمره جبرئيل (عليه السلام) فشد عليه فهرب منه، فجرت به السنة يعني الهرولة (49).

وبإسناده إلى حماد، عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): لم جعل السعي بين الصفا والمروة؟لان الشيطان تراءى لإبراهيم في الوادي، فسعى، وهو منازل الشيطان (50).

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم أنزل الله تعالى عليه: " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " (51) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى صوتهم بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحج في عامه هذا، فعلم به من حضر في المدينة وأهل العوالي والاعراب، واجتمعوا لحج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنما كانوا تابعين ينتظرون ما يؤمرون ويتبعونه أو يصنع شيئا فيصنعونه فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر، وعزم بالحج مفردا، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصف له سماطان (52) فلبى بالحج مفردا وساق الهدي ستا وستين أو أربعا وستين حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة، فطاف بالبيت سبعة أشواط ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام)، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه وقد كان استلمه في أول طوافه، ثم قال: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " فابدء بما بدأ الله تعالى، وإن المسلمين كانوا يظنون السعي بين الصفا والمروة شئ صنعه المشركون، فأنزل الله تعالى " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (53).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في حديث طويل: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أبدء بما بدأ الله تعالى به، فأتى الصفا فبدأ بها (54).

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أبدء بما بدأ الله ثم صعد على الصفا فقام عليه مقدار ما يقرأ سورة البقرة، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (55).

ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت أسبوعا طواف الفريضة، ثم سعى بين الصفا والمروة أربعة أشواط، ثم غمزه بطنه فخرج وقضى حاجته ثم غشى أهله؟قال: يغتسل ثم يعود فيطوف ثلاثة أشواط ويستغفر ربه ولا شئ عليه، قلت: فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة، فطاف أربعة أشواط ثم غمزه بطنه فخرج فقضى حاجته، فغشى أهله؟فقال: أفسد حجه وعليه بدنة، ويغتسل ثم يرجع فيطوف أسبوعا ثم يسعى ويستغفر ربه، قلت: كيف لم تجعل عليه حين غشى أهله قبل أن يفرغ من سعيه كما جعلت عليه هديا حين غشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه؟قال: إن الطواف فريضة وفيه صلاة، والسعي سنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قلت: أليس الله يقول: " إن الصفا والمروة من شعائر الله "؟قال: بلى ولكن قال فيها: " ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم " فلو كان السعي فريضة لم يقل: ومن تطوع خيرا (56).

قوله (عليه السلام): (والسعي سنة) أي ليس وجوبه كوجوب الطواف، وإن كان هو واجبا من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال: إبدء بما بدأ الله عز وجل به من إتيان الصفا، إن الله عز وجل يقول: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (57).

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد رفعه قال: ليس لله منسك أحب إليه من السعي، وذلك أنه يذل فيه الجبارين (58).

أحمد بن محمد، عن التميلي، عن الحسين بن أحمد الحلبي، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جعل السعي بين الصفا والمروة مذلة.


1- لم أعثر على حديث بهذه الألفاظ.

2- سورة الشورى، الآية 16.

3- هو من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح بها النعمان بن الحرث، الضمير في فيهم وفي سيوفهم يرجع إلى جيش النعمان، والفلول بالفاء كفلوس جمع فل، وهو الكسر في حد السيف، والقراع بالقاف والراء والعين المهملتين ككتاب، بمعنى الضرب، والكتائب جمع كتيبه وهي بالمثناة والياء والموحدة كسفينة الجيش. جامع الشواهد: باب الواو بعده اللام، ص 329.

4- معاني الأخبار: ص 193، باب معنى ذكر الله كثيرا، ذيل حديث 5.

5- الكافي: ج 2، كتاب الايمان والكفر، باب وجوه الكفر، قطعة من حديث 1، ولفظه (والوجه الثالث من الكفر كفر النعم، وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان: " هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " وقال: " لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " وقال: " فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ".

6- سورة العنكبوت: الآية 45.

7- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2، ص 150، في تفسيره لقوله تعالى: " ولذكر الله أكبر ".

8- الكافي: ج 8، ص 7، ح 1.

9- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 234، في بيان المعنى لآية (152) " فاذكروني أذكركم ". والوسائل: ج 4، كتاب الصلاة، ص 1183، الباب 5، من أبواب الذكر، ح 11.

10- الخصال: ص 125، باب الثلاثة، باب ما جاء على ثلاثة في وصية النبي لأمير المؤمنين (عليهم السلام)، قطعة من حديث 122.

11- الخصال: ص 86، باب الثلاثة، ثلاث خصال العبد بينهن، ح 17.

12- الخصال: ص 299، باب تمجيد الله عز وجل، قطعة من حديث 72.

13- الخصال: ص 613، حديث أربعمائة.

14- الخصال: ص 14، باب الواحد، خصلة هي الزهد في الدنيا وخصلة هي شكر كل نعمة، قطعة من حديث 50.

15- مصباح الشريعة: ص 62، الباب الحادي والتسعون.

16- تفسير العياشي: ج 1، ص 68، ح 123.

17- وفي رواية (وأمثالهم).

18- نهج البلاغة: ص 496، الخطبة 147، ومن كلام له (عليه السلام) لكميل بن زياد النخعي.

19- التهذيب: ج 1، ص 466، باب 23، تلقين المحتضرين، ح 171، من أبواب الزيادات.

20- التهذيب: ج 1، ص 466، باب 23، تلقين المحتضرين، ح 172، من أبواب الزيادات.

21- روى الطبرسي هذا الحديث والأحاديث السابقة في مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 236.

22- وفي رواية (قدام).

23- سورة آل عمران: الآية 7.

24- كمال الدين وتمام النعمة: ص 649، باب 57، ما روي في علامات خروج القائم (عليه السلام)، ح 3.

25- تفسير العياشي: ج 1، ص 68، ح 125.

26- علل الشرائع: ج 1، ص 44، باب 40، العلة التي من أجلها يبتلى النبيون والمؤمنون، ح 1.

27- نهج البلاغة: ص 199، الخطبة 143.

28- وقايضه مقايضة في البيع: إذا أعطاه سلعة، وأخذ عوضها سلعة أخرى. النهاية لابن الأثير: ج 4، ص 132 في لغة " قيض ".

29- هو القهر والغلبة، يقال: قسره يقسره قسرا، وقد تكرر في الحديث. النهاية لابن الأثير: ج 4، ص 59، في لغة " قسر ".

30- الخصال: ص 130، باب الثلاثة. ثلاث خصال لمن يؤخذ منه شئ من دنياه قسرا، ح 135.

31- الخصال: ص 222، باب الأربعة، أربع خصال من كن فيه كان في نور الله الأعظم، ح 49، و تمام الحديث: ومن إذا أصاب خيرا قال الحمد لله رب العالمين، ومن إذا أصاب خطيئة قال: استغفر الله وأتوب إليه.

32- الكافي: ج 1، ص 381، كتاب الحجة، باب في أن الامام متى يعلم أن الامر قد صار إليه، ح 5.

33- الكافي: ج 3، كتاب الجنائز، ص 224، باب الصبر والجزع والاسترجاع، ح 5.

34- الكافي: ج 3، ص 224، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والاسترجاع، ح 6.

35- الكافي: ج 3، ص 261، كتاب الجنائز، باب النوادر، ح 40.

36- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 1، ص 350، في تفسيره لقوله تعالى " وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ".

37- نهج البلاغة: ص 485، باب المختار من حكم أمير المؤمنين (عليه السلام)، رقم 99.

38- مجمع البيان: ج 1، ص 238، في بيان المعنى للآية 157، من سورة البقرة.

39- مجمع البيان: ج 1، ص 238، في بيان المعنى للآية 157، من سورة البقرة.

40- وهو أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف المطهر (648 ه? - 726 ه?) المعروف بالعلامة الحلي.

41- نهج الحق مخطوط: في تعيين إمامة علي بالقران، قال ما لفظه (الحادية والثمانون قوله تعالى: الذين إذا أصابتهم، الآية نزلت في علي (عليه السلام) لما وصل إليه قتل حمزة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فنزلت هذه الآية.

42- سورة آل عمران: الآية 33.

43- علل الشرايع: ج 2، ص 431، الباب الخامس والستون والمائة، (165) العلة التي من أجلها سمي الصفا صفا والمروة مروة، ح 1.

44- وأساف وإساف: اسم صنم لقريش. الجوهري وغيره: أساف ونائلة صنمان كانا لقريش وضعهما عمرو بن لحي على الصفا والمروة وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة. وزعم بعضهم أنهما كانا من جرهم أساف بن عمرو ونائلة بنت سهل ففجرا في الكعبة فمسخا حجرين عبدتهما قريش، وقيل كانا رجلا و امرأة دخلا البيت فوجدا خلوة فوثب أساف على نائلة، وقيل فأحدثا فمسخهما الله حجرين. لسان العرب: ج 9، ص 6، في لغة أسف.

45- هكذا في النسخ، ولكن سقط من متن الحديث جملة، وهي هذه (قالا: قلنا: إنما قال الله عز وجل: (فليس عليكم جناح) ولم يقل: (افعلوا) فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟).

46- من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 278، باب 59، الصلاة في السفر، ح 1.

47- يعني شرط على المشركين أن يرفعوا أصنامهم التي كانت على الصفا والمروة حتى ينقضي أيام المناسك ثم يعيدوها. كما في هامش الكافي نقلا عن الوافي.

48- الكافي: ج 4، ص 435، كتاب الحج، باب السعي بين الصفا والمروة وما يقال فيه: ح 8.

49- علل الشرايع: ص 432، باب 166، قطعة من حديث 1.

50- علل الشرايع: ص 432، باب 167، ح 1.

51- علل الشرايع: ص 433، باب 167، ح 2.

52- سورة الحج: الآية 27.

53- في الحديث حتى انتهى رسول الله إلى البيداء فصف الناس له سماطين، السماط ككتاب: الصف من الناس، والسماطان صفان. مجمع البحرين: ج 4، ص 255، لغة " سمط ".

54- الكافي: ج 4، كتاب الحج، ص 245، باب حج النبي (صلى الله عليه وآله) ح 4.

55- الكافي: ج 4، ص 249، كتاب الحج، باب حج النبي (صلى الله عليه وآله) ح 6.

56- الكافي: ج 4، ص 250، كتاب الحج، باب حج النبي (صلى الله عليه وآله) ح 7.

57- الكافي: ج 4، كتاب الحج، ص 379، باب المحرم يأتي أهله وقد قضى بعض مناسكه، ح 7.

58- الكافي: ج 4، كتاب الحج، ص 431، باب الوقوف على الصفا والدعاء، ح 1.