الآية 41 - 50

﴿وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون (41)﴾

وغفران زلتي، وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي.

قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحب النار هم فيها خلدون.

وقرئ " فمن تبع هدي " على لغة هذيل، فلا خوف بالفتح (1).

يبنى إسرائيل: يعني أولاد يعقوب، وإسرائيل في الأصل صفوة الله، أو عبد الله، سمي به يعقوب للمدح.

اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم: من الانجاء من فرعون مثلا.

وأوفوا بعهدي: من الايمان بي والطاعة لي.

أوف بعهدكم: من حسن الثواب على حسناتكم.

﴿ولا تلبسوا الحق بالبطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (42) وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين (43) أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتب أفلا تعقلون (44) واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين (45)﴾

وإياي فارهبون: فلا تنقضوا عهدي.

وآمنوا بما أنزلت: من القرآن.

مصدقا لما معكم: من التوراة والإنجيل وغيرهما.

ولا تكونوا أول كافر به: أول فوج كفر به.

ولا تشتروا: لا تستبدلوا.

بآياتي ثمنا قليلا: من الرئاسة التي تخافون أن تفوت عنكم باتباع محمد والشئ الذي تأخذونه من رعاياكم على تحريف الكلم وتسهيل ما صعب عليهم من الشرائع.

وإياي فاتقون * ولا تلبسوا الحق بالبطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلاة: أي صلاة المسلمين.

وآتوا الزكاة: زكاتهم.

واركعوا مع الراكعين: منهم، لان اليهود لا ركوع في صلاتهم.

أتأمرون الناس: من أقاربكم في الخفية.

بالبر: اتباع محمد.

وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتب أفلا تعقلون واستعينوا: في حوائجكم.

﴿الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم وأنهم إليه راجعون (46) يبنى إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العلمين (47) واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون (48)﴾

بالصبر: أي الصوم.

والصلاة: أي الصلاة.

وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين * الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم وأنهم إليه راجعون * يبنى إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم: التكرير للتوكيد، وتذكير التفضيل الذي هو أجل النعم خصوصا، والربط بالوعيد الشديد تخويفا لمن غفل عنها وأخل بحقوقها.

وأنى فضلتكم: نصب عطف على نعمتي، أي وتفضيلي.

على العلمين: أي عالمي: المراد تفضيل آبائهم الذين كانوا في عصر موسى (عليه السلام) وبعده قبل أن يغيروا بما منحهم الله من العلم والايمان والعمل الصالح وجعلهم أنبياء وملوكا مقسطين.

ويحتمل أن يكون المعنى على الجم الغفير من الناس، كقوله: " باركنا فيها للعالمين " (2) يقال: رأيت عالما من الناس، يراد الكثرة، فعلى هذا لا يستقيم ما قيل إن في الآية دلالة على تفضيل البشر على الملك.

واتقوا يوما: فيه مجاز عقلي، أي ما فيه من الحساب والعذاب، والتنكير للتفخيم.

لا تجزى نفس عن نفس شيئا: أي لا تقضي عنها شيئا من الحقوق، فيكون (شيئا) مفعولا به، أو لا تجزي عنها شيئا من الجزاء، أي قليلا منه، فيكون نصبا على المصدر، كقوله " ولا تظلمون شيئا " (3).

وقرئ (لا تجزء) من أجزأ عنه، إذا أغنى، وعلى هذا تعين أن يكون مصدرا، أي شيئا من الاغناء، وقرئ " لا تجزي نسمة عن نسمة شيئا ".

وتنكير الشئ مع النفيين، للاقناط الكلي والتعميم.

والجملة في محل النصب صفة ليوما، والعائد محذوف، والتقدير لا تجزي فيه، و إن لم نجور حذف يقال: اتسع فيه، فحذف الجار أولا، واجري مجرى المفعول، ثم حذف كما حذف من قوله: كتبت إليهم كتابا مرارا * فلم يرجع إلى منهم جواب فما أدري أغيرهم تناه * وطول العهد أم مال أصابوا (4) أي أصابوه.

ولا يقبل منها شفعة: من الشفع، فإن المشفوع كان فردا، فجعله الشفيع زوجا بضم نفسه إليه.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا تقبل بالتاء.

ولا يؤخذ منها: أي من النفس الثانية العاصية، أو الأولى.

عدل: المراد به الفدية، وقيل: مطلق البدل، وأصله التسوية، سميت به الفدية، لأنها سويت بالمفدى، والمقصود بالآية: نفي أن يدفع العذاب أحد عن أحد من كل وجه محتمل، فإنه إما أن يكون قهرا أو غيره، والأول النصرة، والثاني إما أن يكون مجانا أو غيره، والأول أن يشفع له، والثاني إما بأداء ما كان عليه وهو أن.

﴿وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم (49) وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون (50)﴾

يجزي عنه، أو بغيره وهو أن يعطي عنه عدلا.

ولا هم ينصرون: الضمير يرجع إلى النفوس الكثيرة التي دلت عليها النفس الثانية المنكرة الواقعة في سياق النفي.

والنضرة: أخص من المعونة، لاختصاصها بدفع الضرر.

واستدلت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر قال البيضاوي: وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار، للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة، قال: ويؤيده أن الخطاب معهم، والآية نزلت ردا لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم (5).

أقول: الآية يحتمل أن تكون مخصصة للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة الدالة على عمومها، كما أن كون الخطاب معهم يحتمل أن يكون مؤيدا للتخصيص بالكفار، فلا يتم الاستدلال من الجانبين، فتأمل.

وإذ نجيناكم: عطف على نعمتي، كعطف جبرئيل وميكائيل على الملائكة، فصل بعد الاجمال في قوله: " نعمتي " لأنه أوقع وأمكن في النفس.

وقرئ (نجيناكم) و (أنجيتكم).

من آل فرعون: أصل (آل) أهل، لان تصغيره أهيل، اعل وخص استعماله بالإضافة إلى اولي الخطر كالأنبياء والملوك.

قال الكسائي: سمعت أعرابيا يقول: آل واؤيل وأهل وأهيل، فأصله أءل بالهمزة (6).

وفرعون: لقب لمن ملك العمالقة، ككسرى لملك الفرس وقيصر لملك الروم، ولقبوا الفراعنة، اشتق منه تفرعن الرجل، إذا عتى وتجبر.

قال البيضاوي: وكان فرعون موسى: مصعب بن ريان، وقيل اسمه وليد من بقايا عاد، وفرعون يوسف (عليه السلام) ريان وكان بينهما أكثر من أربعمائة سنة (7).

يسومونكم: أي يبغونكم، يقال: سامه خسفا، إذا أولاه ظلما، أي أصابه إياه، وأصل السوم الذهاب في طلب الشئ.

سوء العذاب: أي أفظعه، فإنه قبيح بالإضافة إلى سائره، يقال: أعوذ بالله من سوء الخلق وسوء الفعل، يراد قبيحهما، والسوء مصدر ساء يسوء، ونصبه على المفعول ل? (يسومونكم) والجملة حال من الضمير في أنجيناكم، أو من آل فرعون، أو منهما.

يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم: بيان ل? (يسومونكم) ولذلك فصل، وقرئ بالتخفيف.

وإنما فعلوا بهم ذلك، لان فرعون رأى في المنام، أو قال له الكهنة: سيولد منهم من يذهب بملكه، فلم يرد اجتهادهم من قدر الله شيئا، ويستحيون نساءهم، أي يبقونهن طلبا لحياتهن ويتخذوهن إماء، وزعم بعضهم أنه من طلب الحياء، أي الفرج، أي ينظرن هل هن حبالى أم لا.

وفى ذلكم بلاء: محنة إن أشير بذلك إلى صنعهم، ونعمة إن أشير به إلى الانجاء وأصله الاختبار، لكن لما كان اختبار الله عباده تارة بالنعمة، وتارة بالمحنة، أطلق عليهما، ويجوز أن يشار بذلك إلى الجملة، ويراد به الامتحان الشائع بينهما.

من ربكم: بتسليطهم عليكم، أو ببعث موسى وتوفيقه لتخليصكم، أو بهما.

عظيم: صفة بلاء.

وفي الآية إشعار بأنه قد يكون إصابة العبد بالخير والشر من اختبار الله سبحانه العبد، فيجب أن لا يغتر بما أنعم عليه فيطغى، ولا ييأس من روح الله بما ضيق عليه فيعيش ضنكا، وأن يكون دائما راجيا خائفا مستشعرا لما أريد منه.

قال البيضاوي: وفي الآية تنبيه على أن ما يصيب العبد من خير أو شر اختبار من الله، فعليه أن يشكر على مساره ويصبر على مضاره، ليكون من خير المختبرين (8).

ولا يخفى عليك أنه إنما يصح بناء على قاعدة كسب الأعمال، وقد أبطلناها في مقامها، مع أنه ينافي ما سبقها من إسناد الذبح والاستحياء إلى آل فرعون، والله أعلم بحقائق الأمور.

وإذ فرقنا بكم البحر: فصلنا بين بعضه وبعضه حتى حصلت فيه مسالك بسلوككم فيه، أو بسبب إنجائكم، أو متلبسا بكم.

والفرق هو الفصل بين الشيئين، بالفتح مصدر، وبالكسر الطائفة من كل شئ.

والبحر، يسمى بحرا لاستبحاره، وهو سعته وانبساطه.

وقرأ الزهري في الشواذ على بناء التكثير، لان المسالك كانت اثني عشر بعدد الأسباط.

فأنجيناكم وأغرقنا: الغرق: الرسوب في الماء، والنجاة: ضد الغرق، كما أنها ضد الهلاك.

آل فرعون: أراد به فرعون وقومه، واقتصر على ذكرهم للعلم بأنه كان أولى به، وقيل: شخصه، كما يقال: اللهم صل على آل محمد، أي شخصه، واستغنى بذكره عن أتباعه.

والأحسن فيه أنه من باب راكب الناقة طليحان، اعتبارا للمضاف والمضاف إليه، أي هو والناقة.

وأنتم تنظرون: ذلك، أو غرقهم، أو انفلاق البحر عن طرق يابسة، أو جثثهم التي قذفها البحر إلى الساحل، أو ينظر بعضكم بعضا.

ذكر الشيخ الطبرسي في تفسيره عن ابن عباس: أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يسري ببني إسرائيل من مصر، فسرى موسى (عليه السلام) بهم ليلا، فاتبعهم فرعون في ألف الف حصان سوى الإناث، وكان موسى في ستمائة ألف و عشرين ألفا، فلما عاينهم فرعون قال: إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون و إنا لجميع حاذرون فسرى موسى بهم حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برهج (9) دواب فرعون، فقالوا: يا موسى، أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا، هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه، فقال موسى: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون فقال له يوشع بن نون: بم أمرت؟قال: أمرت أن أضرب بعصاي البحر، قال: اضرب، وكان الله تعالى أوحى إلى البحر: أن أطع موسى إذا ضربك، فبات البحر له إفكل، أي رعدة، لا يدري في أي جوانبه يضربه، فضرب بعصاه البحر فانفلق، وظهر اثنا عشر طريقا، فكان لكل سبط طريق يأخذون فيه، فقالوا: إنا لا نسلك طريقا نديا، فأرسل الله ريح الصبا حتى جففت الطريق كما قال: فاضرب لهم طريقا يبسا، فجروا فيه، فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض: مالنا لا نرى أصحابنا، فقالوا لموسى: أين أصحابنا؟فقال: في طريق مثل طريقكم، فقالوا: لا نرضى حتى نراهم.

فقال موسى: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة، فأوحى إليه أن فل بعصاك هكذا وهكذا يمينا وشمالا، فأشار بعصاه يمينا وشمالا فظهر كالكوة ينظر منها بعضهم إلى بعض، فلما انتهى فرعون إلى ساحل البحر وكان على فرس حصان.


1- سورة الأعراف: الآية 137، وسورة الأنبياء: الآية 71 و 81.

2- سورة البقرة: الآية 279.

3- وقد استشهد به البيضاوي: ج 1، ص 55، ولم يسم قائله، قال عند تفسيره للآية: ومن لم يجوز حذف العائد المجرور قال: اتسع فيه، فحذف عنه الجار واجري مجرى المفعول به، ثم حذف كما حذف من قوله: أم مال أصابوا.

4- تفسير البيضاوي: ج 1، ص 55.

5- تفسير روح المعاني: ج 3، ص 253.

6- تفسير البيضاوي: ج 1، ص 55.

7- تفسير البيضاوي: ج 1، ص 56.

8- الرهج: ما أثير من الغبار.

9- ودقت ذات الحافر: أرادت الفحل فهي وديق.