الآية 31 - 40

﴿وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31)﴾

الاحكام، وخلق ما في الأرض على حسب حاجات أهلها، لان علمه الكامل برهان لمي على تحقق الاتقان في أفعاله، وظهور الاتقان فيها دليل إني على إثبات علمه.

وقد روى الصدوق في عيون أخبار الرضا بإسناده إلى الحسن العسكري (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين في قول الله عز وجل: " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا " لتعتبروا ولتتوصلوا به إلى رضوانه وتتوقوا به من عذاب نيرانه، " ثم استوى إلى السماء " أخذ في خلقها وإتقانها، " فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم " ولعلمه بكل شئ علم بالمصالح، وخلق لكم كل ما في الأرض لمصالحكم يا بن آدم (1).

وقد سكن نافع وأبو عمرو والكسائي الهاء من نحو فهو وهو تشبيها له بقصد (2).

وإذ قال ربك: تعداد لنعمة ثالثة تعم الناس كلهم، فإن خلق آدم و إكرامه إنعام يعم ذريته.

و (إذ) ظرف وضع لزمان عين بإضافته إلى نسبة واقعة في الزمان الماضي، كما.

أن (إذا) موضوع لزمان عين بإضافته إلى نسبة واقعة في الزمان المستقبل، ولهذا وجبت إضافتهما إلى الجملة، والغالب ظرفيتهما لنسبة أخرى مثلهما، وقد يستعمل (إذ) اسما من غير ظرفية، كما وقع مفعولا به في قوله: " واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم " (3) وبنيتا تشبيها بالموصولات.

ف? (إذ) في الآية منصوب المحل بتقدير أذكر، أو أذكر الحادث، أو بقالوا، أو بمضمر دل عليه مضمون الآية المتقدمة، مثل " وبدء خلقكم إذ قال "، وعلى هذا فالجملة معطوف على خلق لكم، داخلة في حكم الصلة.

وقيل: إنه مزيد.

والقول: الحكاية، نحو قولك: قال زيد خرج عمرو، ويتعدى أبدا إلى مفعول واحد، ويكون جملة، أو ما يحكي معناها، إلا إذا ولي حرف الاستفهام ولم ينفصل عنه بغير ظرف أو كظرف، أو معمول فإنه حينئذ ينصب مفعولين إلا عند سليم، فإنهم ينصبون به مفعولين وإن لم يل الاستفهام.

للملائكة: جمع ملئك على الأصل، فإن أصل ملك، ملئك كالشمائل جمع شمئل، واشتقاقه من (م ل ك) بزيادة - الهمزة - لدورانها مع الشدة والقوة، ومعنى الشدة والقوة يعم الملائكة (عليهم السلام) كلهم، والدليل عليه قوله تعالى: " يسبحون بالليل والنهار لا يفترون " (4) وأن الله جعلهم وسائط معظم ما يظهره في هذا العالم.

أو من الألوك، والألوكة بفتح الهمزة بمعنى الرسالة، فالميم زائدة، وفيما بين العين والفاء قلب، والأصل مألك، على أنه موضع الرسالة، أو مصدر بمعنى المفعول.

فعلى هذا يكون إطلاقه عليهم، باعتبار بعضهم، لان معنى الرسالة لا يعم كلهم، لقوله تعالى " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس " (5) وأما قوله " جاعل الملائكة رسلا " (6) فمخصوص، جمعا بين الآيتين.

وقيل: قد جاء " لاك " بمعنى أرسل، فلا قلب.

والتاء، إما لتأنيث، الجمع فإن الجمع مؤنث بتأويل الجماعة، أو لتأكيد معنى الجمع كما في علامة ونسابة.

واختلف العلماء في حقيقتهم بعد اتفاقهم على أنها ذوات موجودة قائمة بأنفسها.

فذهب أكثر المسلمين إلى أنها أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، مستدلين بأن الرسل كانوا يرونهم كذلك، وهو الحق.

وقالت طائفة من النصارى: هي النفوس الفاضلة البشرية المفارقة للأبدان.

وقال الحكماء: إنها هي العقول، منقسمة إلى قسمين: قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق، والتنزه عن الاشتغال بغيره، كما وصفهم في محكم تنزيله فقال: " يسبحون الليل والنهار لا يفترون " (7) وهو العليون والملائكة المقربون.

وقسم تدبر الامر من السماء إلى الأرض، على ما سبق به القضاء وجرى به القلم الإلهي، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم المدبرات أمرا، فمنهم سماوية ومنهم أرضية.

والمراد بها إما كلهم لعموم اللفظ وعدم المخصص، وإما إبليس ومن كان معه في محاربة الجن فإنه تعالى أسكنهم في الأرض أولا، فأفسدوا فيها فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة، فدمرهم وفرقهم في الجزائر، وإما ملائكة الأرض، وهو أولى، والمخصص قوله في الأرض.

إني جاعل في الأرض خليفة: وقرئ خليقة بالقاف.

وجاعل: إن كان متعديا إلى مفعولين، ففي الأرض مفعوله الثاني، وإلا كان متعلقا به.

والخليفة من يخلف غيره، والهاء فيه للمبالغة، والمراد به إما آدم وحده، أو مع بعض بنيه أو كله، وإفراد اللفظ إما للاستغناء بذكره، كما استغنى بذكر أبي القبيلة في قولهم (مضر - وهاشم) أو على تأويل من يخلقكم فعلى الأول، المراد أنه خليفة الله في أرضه، أو خليقة من سكن الأرض قبله، وعلى الثاني والثالث أنهم يخلفون من قبلهم، أو يخلف بعضهم بعضا.

والاحتياج إلى الخليفة إنما هو في جانب المتخلف عليه، لقصورهم عن قبول فيضه بغير وسط، ولذلك لم يستنبئ ملكا، والأنبياء لما فاقت قريحتهم أرسل إليهم الملائكة، ومن كان منهم أعلى رتبة، كلمه بلا واسطة، كما كلم موسى في الميقات ومحمدا في المعراج.

وفائدة قوله هذا " للملائكة " تعليم للمشاورة وتعظيم لشأن المجعول، بأن بشر بوجوده سكان ملكوته ولقبه بالخليفة قبل خلقه، وإظهار فضله الراجح على ما فيه من المفاسد بسؤالهم وجوابه.

قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء: من استخلاف من يفسد في الأرض لاصلاحها، أو اختيار أهل المعصية على أهل الطاعة، و استكشاف عما خفي عليهم من الحكمة فيه، وعما يزيل شبهتهم استكشاف المتعلم عن معلمه عما يخالج صدره، وليس باعتراض على الله تعالى، ولا طعن في بني آدم على وجه الغيبة.

وإنما حكموا بذلك لما علموا: أن المجعول خليفة هو النوع الأخير من الحيوان، وكانوا يشاهدون من أنواعه المتقدمة عليه وجود آثار القوة الشهوية والغضبية، تنبهوا لوجودهما فيه وحكموا عليه بترتب آثارهما التي من جملتها الافساد وسفك الدماء، أو لما عرفوا ذلك بإخبار من الله، أو تلق من اللوح المحفوظ، أو استنباط عما ثبت في علمهم أن العصمة من خواصهم، أو قياس لاحد الثقلين على الآخر.

والسفك والسبك، والسفح، والشن، والسن: أنواع من الصب، فالسفك يقال في الدم والدمع، والسبك في الجواهر المذابة، والسفح في الصب من أعلى، والشن والسن في الصب عن فم القربة ونحوها.

وقرئ يسفك بضم الفاء، ويسفك ويسفك من أسفك وسفك، ويسفك على البناء للمفعول، فيكون ضمير من الموصولة أو الموصوفة مقدرا، أي يسفك الدماء فيهم: والدماء: جمع الدم بحذف لامه واوا كان أو ياء، لقولهم في تثنيته دموان و دميان، فالدماء أصله دماو، أو دماي اعلت إعلال كساء ورداء.

ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك: حال من فاعل تجعل، يقرر معنى التعجب والاستكشاف المذكورين، ونظيره، أتحسن إلى فلان وأنا أحق منه بالاحسان، والمعنى: استخلف عصاة ونحن معصومون أحقاء بذلك، والمقصود الاستفسار عن المرجح، لا العجب والتفاخر.

وكأنهم علموا أن المجعول ذو ثلاث قوى، عليها مدار أمره، شهوية وغضبية يؤديان إلى الفساد، وعقلية تدعوه إلى المعرفة، ونظروا إليها مفردة، قالوا: ما الحكمة في استخلاف من هو باعتبار تينك القوتين لا تقتضي الحكمة إيجاده، فضلا عن استخلافه، وأما باعتبار القوة العقلية فنحن نقيم ما يتوقع منها سليما عن المعارض، وغفلوا عن فضيلة كل واحدة من القوتين إذا صارت مهذبة مطواعة للعقل متمرنة على الخير كالفقه والشجاعة ومجاهدة الهوى والانصاف، ولم يعلموا أن التركيب يفيد ما يقصر عنه الآحاد، كالإحاطة بالجزئيات واستنباط الصناعات واستخراج منافع الكائنات من القوة إلى الفعل الذي هو المقصود من الاستخلاف وكذلك حكم عليهم بعدم العلم بما يعلم هو تعالى.

والتسبيح: تبعيد الله من السوء، وكذلك التقديس، من سبح في الأرض والماء، وقدس في الأرض: إذا ذهب فيها وأبعد، ويقال: قدس طهر، لان مطهر الشئ مبعده عن الأقذار.

وفي كلام بعض الفضلاء: أن التسبيح تنزيه الجناب الإلهي عن النقائص و نفيها عنه، والتقديس تنزيه عن النقائص وعن صلاحية قبوله إياها وإمكانها فيه، فهو أبلغ من التسبيح، ولذلك اخر عنه في هذه الآية، وفي قولهم سبوح قدوس.

وبحمدك: حال، أي نسبح ونقدس متلبسين بحمدك، وقيل: الباء للسببية فيتعلق بالتسبيح.

والتسبيح: إشارة إلى الثناء عليه بالصفات الثبوتية، والتقديس إلى الثناء عليه بالصفات السلبية.

واللام في (لك) مزيدة، لتأكيد تعلق التسبيح والتقديس به، لا لتقوية العمل، أو للتعليل، والمعنى نطهر نفوسنا عن المعاصي لأجلك.

وقيل: التسبيح والتقديس يعدى بنفسه وباللام، فاللام في المعنى يتعلق بهما.

قال إني أعلم ما لا تعلمون: ومن جملته إني أعلم أن في هذا الجعل من الحكم والمصالح، وهو خفي عليكم.

روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن ثابت الحذاء، عن جابر بن زيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى أراد أن يخلق خلقا بيده، وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة، وكان من شأنه خلق آدم فكشف عن أطباق السماوات وقال للملائكة: انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والنسناس، فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق، عظم ذلك عليهم وغضبوا وتأسفوا على أهل الأرض، ولم يملكوا غضبهم، قالوا: ربنا إنك أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن، وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويتمتعون بعافيتك، وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام، لا تأسف عليهم ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم و ترى، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك، قال: فلما سمع ذلك من الملائكة قال: إني جاعل في الأرض خليفة، يكون حجة لي في أرضي على خلقي، فقال الملائكة: سبحانك أتجعل فيها من يفسد فيها كما أفسد بنو الجان ويسفكون الدماء كما يسفك بنو الجان ويتحاسدون ويتباغضون، فاجعل ذلك الخليقة منا، فإنا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء، ونسبح بحمدك ونقدس لك، قال جل وعز: إني أعلم ما لا تعلمون، إني أريد أن أخلق خلقا بيدي، وأجعل من ذريته الأنبياء والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمة المهتدين، وأجعلهم خلفائي في أرضي ينهونهم عن معصيتي وينذرونهم من عذابي، ويهدونهم إلى طاعتي، ويسلكون بهم طريق سبيلي، وأجعلهم لي حجة عليهم عذرا نذرا، وأبيد النسناس من أرضي و أطهرها منهم، وأنقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي، واسكنهم في الهواء وأقطار الأرض، فلا يجاورون نسل خلقي، وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا، فلا يرى نسل خلقي الجن ولا يجالسونهم ولا يخالطوهم، فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم أسكنتهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا أبالي، فقالت الملائكة: يا ربنا افعل ما شئت، لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

قال: فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسماءة عام، قال: فلاذوا بالعرش و أشاروا بالأصابع، فنظر الرب عز وجل إليهم ونزلت الرحمة، فوضع لهم البيت المعمور، فقال: طوفوا به ودعوا العرش، فإنه لي رضى، فطافوا به، وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه أبدا، فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء، ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض، فقال الله تبارك وتعالى: " إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "، وكان ذلك تقدمة من الله في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم، فاغترف ربنا عز وجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات، وكلتا يديه يمين، فصلصلها في كفه حتى جمدت، فقال لها: منك أخلق النبيين والمرسلين، وعبادي الصالحين، والأئمة المهتدين، والدعاة إلى الجنة، وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي، ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون.

ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج فصلصلها في كفه فجمدت، ثم قال لها: منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي، ولا اسأل عما أفعل وهم يسألون قال: وشرط في ذلك البداء ولم يشترط في أصحاب اليمين البداء (8) ثم خلط المائين جميعا في كفه فصلصلها، ثم كفأهما قدام عرشه، وهما سلالة من طين، ثم أمر الله الملائكة الأربعة الشمال والجنوب والصبا والدبور أن يجولوا على هذه السلالة من الطين فامرؤها وانشؤها ثم أنزوها وجزوها، وأجروا فيها الطبائع الأربعة الريح والدم والمرة والبلغم، فجالت الملائكة عليها، وهي الشمال والجنوب والصبا والدبور، وأجروا فيها الطبائع الأربعة، الريح في الطبائع الأربعة من البدن من ناحية الشمال، والبلغم في الطبائع الأربعة من ناحية الصبا، والمرة في الطبائع الأربعة من ناحية الدبور، والدم في الطبائع الأربعة من ناحية الجنوب.

قال: فاستقلت النسمة وكمل البدن، فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الامل والحرص، ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق، ولزمه من ناحية المرة الحب والغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة، ولزمه من ناحية الدم حب الفساد واللذات وركوب المحارم والشهوات.

قال أبو جعفر عليه السلام: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام): فخلق الله آدم فبقي أربعين سنة مصورا، فكان يمر به إبليس اللعين، فيقول: لأمر ما خلقت! فقال العالم (عليه السلام): فقال إبليس: لئن أمرني الله بالسجود لهذا لعصيته، قال: ثم نفخ فيه، فلما بلغت الروح إلى دماغه، عطس عطسة فقال: الحمد لله، فقال الله: يرحمك الله، قال الصادق (عليه السلام): فسبقت له من الله الرحمة (9).

وعلم آدم الأسماء كلها: وذلك إما بخلق علم ضروري بها فيه، أو إلقاء في روعه لا يفتقر إلى سابقة اصطلاح ليتسلسل.

والتعليم جعل الشئ عارفا بشئ من غير انتساب حكم إليه، من العلم المتعدي إلى مفعول واحد، والاعلام جعل الشئ عالما بنسبته بين الشيئين من العلم المتعدي إلى مفعولين.

وآدم إما من الأدمة بضم الهمزة: أي السمرة، أو الأدمة بفتحها أي الأسوة، أو الادم والأدمة بالفتح أي الألفة، أو أديم الأرض، لما روي: أنه خمرت طينته من جميع وجه الأرض وهو أديمها (10) ولذلك يأتي بنوه أصنافا، ووزنه على هذه التقادير افعل، أو اسم أعجمي على فاعل ك? (آذر وعاذر وشالخ) فلا يكون مشتقا مما ذكر، لان اشتقاق الأعجمي من العربي غير معهود، وهو أولى، تعسف، كاشتقاق إدريس من الدرس، ويعقوب من العقب، وإبليس من الابلاس، وهو اليأس.

والاسم في اللغة: ما يكون علامة للشئ، يرفعه من مكمن الخفاء إلى منصة الظهور، من الألفاظ والصفات والافعال.

وفي العرف: اللفظ الموضوع لمعنى، مركبا أو مفردا، فعلا كان أو حرفا أو غيرهما.

وفي الاصطلاح يخص القسم الأخير، والأول والثاني متلازمان هنا، فإن العلم بالألفاظ من حيث الدلالة متوقف على العلم بالمعاني والمعنى أنه سبحانه أراه الأجناس التي خلقها، والقي في روعه: أن هذا فرس، وهذا اسمه بعير، وهذا اسمه كذا، وهذا اسمه كذا، وعلمه أحوالها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية.

والذي يدل على إرادة العموم، ما رواه الشيخ الطبرسي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية، فقال: الأرضين والجبال والشعاب والأودية، ثم نظر إلى بساط تحته، فقال: وهذا البساط مما علمه (11).

وأما ما رواه رئيس المحدثين في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) - أن الله تبارك وتعالى علم آدم (عليه السلام) أسماء حجج الله تعالى كلها ثم عرضهم وهم أرواح على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين بأنكم أحقاء بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم، قالوا: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال الله تبارك وتعالى: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره، فعلموا أنهم أحقاء بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته، غيبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم، وقال لهم: " ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض و أعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " (12) فيدل على العموم أيضا.

فإن المعنى علم آدم (عليه السلام) أسماء الأشياء، أي صفاتهم المختصة بهم، وصفات حججه (صلوات الله عليهم) أيضا، ليظهر أنهم أحقاء بأن يكونوا خلفاء في أرضه، فإنه لو لم يعلم أسماء الأشياء لجاز عند عقولهم مساواة جميع ما سواهم في تلك الأسماء، فلا تظهر أحقية الحجج بالخلافة.

لا يقال: المراد أحقيتهم بالنسبة إلى الملائكة، وهو يظهر بتعليم أسمائهم فقط.

قلنا: نعم لكن أحقيتهم بالنسبة إلى سائر ما من نوعهم كأنه معلوم للملائكة، والنزاع إنما وقع في أحقيتهم بالنسبة إليهم، لكن يظهر من تنزيههم فيما بعد واطمئنانهم أنه تعالى أظهر خاصية جميع الأشياء وأحوالها لهم وظهر لهم المزية.

هكذا حقق المقام حتى تتفطن لما قاله العلامة السبزواري في الجمع بين الحديثين من أن الأخير لا ينافي العموم، لأنه (عليه السلام) يمكن أن يقتصر في هذا الحديث على ما هو الأهم في هذا المقام، وهو إراءتهم الأنبياء والأوصياء خصوصا خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين وأولاده المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

وقرئ: وعلم آدم الأسماء على البناء للمفعول.

ثم عرضهم على الملائكة: وقرأ أبي (13) (ثم عرضها) وقرأ ابن مسعود (ثم عرضهن) (14) والضمير على الأول للمسميات، إما على الاستخدام، وهو أن يذكر لفظ وأريد معنى وبضميره معنى آخر، كقوله.

﴿قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32) قال يا آدم أنبئهم بأسماءهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (33)﴾

إذا نزل السماء بأرض قوم * رعيناه وإن كانوا غضابا (15) - أريد بالسماء المطر، وبضميره النبت النابت به.

أو على حذف المضاف إليه وإقامته مقامه في إفادة تعريف المضاف نحو " و اشتعل الرأس شيبا " (16) ويكون من تغليب العقلاء الذكور على غيرهم، وعلى الثاني والثالث للأسماء، إما على الاستخدام أيضا، أو على حذف مضاف، والمعنى عرض مسمياتهن أو مسمياتها.

فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء: الانباء إخبار فيه إعلام، فطلب العالم الانباء بما يعلمه تحصيل للحاصل، وأمر الجاهل بالانباء بما يجهله تكليف بما لا يطاق، فالامر هنا ليس على حقيقته، بل لاظهار عجزهم من أمر الخلافة، فإن الجاهل بأحوال المستخلف عليهم لا يتأتى منه ذلك.

إن كنتم صادقين: فيما يلزم مقالتكم، وهي أتجعل فيها إلى آخره من دعوى استحقاقكم الخلافة.

والتصديق يتعلق بالانشاء باعتبار لازمه، والمعنى إن كنتم صادقين في دعواكم استحقاق الخلافة، فأنبئوني بأسماء المستخلف عليهم وأحوالهم، فإن منصب الخلافة لا يتيسر بدون ذلك.

قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا: سبحان مصدر كغفران، ويندر انقطاعه عن الإضافة، ويمتنع حينئذ من الصرف، ويحكم عليه بأنه علم لجنس التسبيح قال: سبحان من علقمة الفاخر، وإذا أضيف ينتصب بفعل مضمر، نحو معاذ الله.

وتصدير الكلام به، لتنزيه الحق سبحانه عن منقصة ينبئ الكلام عنها بالنسبة إلى غيره، كنفي العلم في الآية، والتوبة المنبئة عن الذنب في قول موسى (عليه السلام): " سبحانك تبت إليك " (17) ونسبة الظلم في قول يونس (عليه السلام): " سبحانك إني كنت من الظالمين " (18).

وهو إما مصدر مضاف إلى المفعول إن كان قائما مقام فعل متعد، مثل نسبحك، أو إلى الفاعل إن كان قائما مقام فعل لازم مثل تنزهت.

والتقدير في قوله إلا ما علمتنا، إما إلا علم ما علمتنا، أو بسبب ما علمتنا إن كان " ما " موصولا، أو بسبب تعليمك إيانا إن كانت مصدرية، أو لا علم لنا إلا ما أعطيتناه على أن يراد بالتعليم جزء معناه، فإن التعليم إعطاء العلم.

إنك أنت العليم: الذي لا تخفى عليك خافية.

الحكيم: المحكم لمبدعاته، الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة.

و (أنت) فصل أو تأكيد للكاف، كما في مررت بك أنت، وقد يجوز في المتبوع ما لا يجوز في التابع، نحو يا هذا الرجل، أو مبتدأ خبره ما بعده، والجملة خبر إن.

قال العلامة السبزواري: يمكن أن يقال في بيان: أنهم كيف يعلمون أن ما قرره آدم وبينه لهم حق وصدق - أنهم علموا ذلك لما شاهدوا تصديق الله إياه، أو خلق العلم الضروري فيهم عقيب تقريره، أو تصديق الملائكة الكروبين إياه فيما قاله، أو حصول العلم من المجموع بمجموع ما قاله وبينه على طريق التوزيع، فلما سمع الكل الكل صدقوه في الجميع لمطابقة علمهم وتصديق نظرائهم، أو علمهم نبوته و بعثته على الجان وعلى أولاده الذين سيوجدون من صلبه بإخبار الله تعالى إياهم، أو بظهور خوارق العادات على يده مقارنا لدعوى النبوة.

وأقول: يحتمل أن يكون ذلك بإراءتهم عند ذلك في اللوح المحفوظ، فيحصل لهم المطابقة مع ما فيه فيحصل لهم العلم.

فعلى هذا يلزم على العلامة، إما إثبات قسم رابع للمنفصلة، أو إبطال منفصلته، لأنها ليست حقيقية ولا مانع الجمع، وهو ظاهر، ولا مانعة الخلو، لجواز ارتفاع جميع تلك الوجوه لما ذكرنا، اللهم إلا أن يقال: إنها ليست منفصلة، ولا يخفى ما فيه.

قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم: للرد عليهم، والتنبيه على أن فيمن يستخلفه فضيلة العلم التي هي مناط استئهال الاستخلاف.

وقرئ بقلب الهمزة ياء، وبحذفها أيضا، والهاء مكسورة فيهما.

فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم: حيث قلت إني أعلم ما لا تعلمون.

إني أعلم غيب السماوات والأرض: فإن ما لا يعلمون أعم من غيب السماوات والأرض، والقول بالعلم الأعم على وجه الشمول قول بالعلم بالأخص.

وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون: هذا أيضا من تتمة مقول القول، و إنما يلزم القول به بالطريق الأولى، لأنه إذا علم ما لا يعلمون، فبالطريق الأولى يعلم ما يعلمون.

والمراد بالأول أحوالهم الظاهرة، والثاني الباطنة، أو بالأول قولهم: " أتجعل " إلى آخره، وبالثاني ما يلزمه من استبطانهم أنهم أحقاء بالخلافة، أو بالأول ما أظهروا من الطاعة، وبالثاني ما أسر منهم إبليس من المعصية.

وفي الآية دلالة على أن العلوم كلها من جهته تعالى.

والامر كذلك، لأنها إما ضرورية فعلها لله تعالى، أو نظرية أقام الأدلة عليها، فالعلم كله من عند الله.

وعلى شرف الانسان من حيث أنه إنسان.

وعلى مزية العلم على العبادة.

وعلى أنه شرط في الخلافة.

وأنه لا يكون الأسفل خليفة للأفضل وإن كان له شرف التقدم، وقد قال " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " (19).

قال بعض الفضلاء: وتأويل الآية في بعض بطونها: أن الله سبحانه علم آدم أي الاناسي الكاملين أسماءه كلها سواء كانت إلهية أو كونية، فإن الحقيقة الانسانية الكمالية أحدية جمع الحقائق المظهرية الكمالية والأسماء الإلهية الظاهرة فيها وبها، فإن الكل أسماء وتعينات وجوده، وتعليمهم إياه عبارة عن جعلهم عارفين بما في أنفسهم، ثم عرضهم، أي أوردهم في معرض المعارضة للملائكة، فقال لهم أي للملائكة -: أنبئوني من حيث ظهوري فيهم، فإن إنبائي من هذه الحيثية إنباؤهم بأسماء هؤلاء الاناسي الكاملين، أي أسمائي المودعة فيهم، إلهية كانت أو كونية، و إنباؤكم عنها لا يتصور إلا بتحققكم بها والظهور بأحكامها، قالوا: سبحانك لا علم لنا بتلك الأسماء إلا بما علمتنا بإيداعه فينا وجعلنا عارفين به، وذلك لا يستوعب جميع تلك الأسماء، فكيف ننبئهم بها، إنك أنت العليم بما فينا وفيهم، الحكيم المجري علينا أحكامنا على ما يقتضيه علمك، وبهذا ظهر عدم استحقاق الملائكة للخلافة، لان من شرطها الإحاطة بأحوال المستخلف عليه، ثم أقبل على آدم لاظهار استحقاقه لها فقال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم المودعة فيهم، فإنها بعض ما أودعنا فيك، فعلمك بتفاصيل ما فيك يستلزم العلم بما فيهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال لهم: ألم أقل إني أعلم غيب سماوات الأسماء، أي ما استجن فيها من الاحكام والآثار، وغيب أرض الحقائق الامكانية من الاستعدادات الغير الظاهرية إلا بعد ظهور أحكام الأسماء وآثارها فيها، وأعلم ما تبدون لاقتضاء استعدادكم إبداءه من تلك الأحكام والآثار، واعلم ما كنتم تكتمون، لعدم وفاء استعدادكم بابدائه.

وإنما قال أولا أنبئوني، وثانيا أنبئهم، إشارة إلى صحة اسناد الافعال.

﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (34) وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (35)﴾

إيقاعها على كل من الظاهر والمظهر.

وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم: عطف على الظرف السابق إن نصبته بمضمر، وإلا عطف مع ما يقدر عاملا فيه على الجملة المتقدمة، لبيان نعمة رابعة عامة لجميع الناس.

والمراد بالملائكة كلهم، وقيل: المراد ما عدا الملائكة المهيمين الذين خلقوا هاموا في جمال الله وجلاله، ولا شعور لهم بوجود العلم، فكيف بوجود آدم، وبعد ذلك إما مخصوصة بالملائكة الأرضيين، أو أعم.

قيل: وهذا القول بعد الانباء وإظهار فضل آدم على الملائكة، والأظهر أنه أمرهم به قبل أن سوي خلقه لقوله تعالى " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " (20) امتحانا لهم وإظهارا لفضله.

ولما رويناه سابقا من قول أمير المؤمنين (عليه السلام): وكان ذلك من الله تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم (21).

والسجود الخضوع والتذلل، وصورته الكاملة وضع الجبهة على الأرض، وهو لله سبحانه على سبيل العبادة، ولغيره على وجه التكرمة.

والمسجود له إما الله سبحانه، وآدم جعل قبلة، فاللام فيه كاللام في قول حسان: أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعرف الناس بالقرآن والسنن (22) أو سببا لوجوبه، فاللام فيه كاللام في قوله: " أقم الصلاة لدلوك الشمس " (23).

أو آدم، فاللام، فيه كاللام في قولهم: " سجدت له ".

فسجدوا: قيل: الضمير راجع إلى المأمورين بالسجود أعم من الملائكة والجن، فإن الجن كانوا أيضا مأمورين، لكنه استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم، فإنه إذا علم أن الأكابر مأمورون بالتذلل لاحد والتوسل به، علم أيضا أن الأصاغر مأمورون به.

إلا إبليس: اختلفوا في أنه من الملائكة، أو من الجن، والحق هو الثاني.

يدل عليه ما رواه علي بن إبراهيم قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عما ندب الله الخلق إليه، أدخل فيه الضلال؟قال: نعم، والكافرون دخلوا فيه، لان الله تبارك وتعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في أمره الملائكة وإبليس، فإن إبليس كان مع الملائكة في السماء يعبد الله، وكانت الملائكة تظن أنه منهم، ولم يكن منهم، فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم أخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد، فعلمت الملائكة عند ذلك أن إبليس لم يكن منهم، فقيل له (عليه السلام): فكيف وقع الامر على إبليس وإنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟فقال: كان إبليس منهم بالولاء ولم يكن من جنس الملائكة، وذلك أن الله خلق خلقا قبل آدم وكان إبليس فيهم حاكما في الأرض، فعتوا وأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله الملائكة فقتلوهم وأسروا إبليس ورفعوه إلى السماء، فكان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله تبارك وتعالى آدم (24).

وما رواه الشيخ الطبرسي عن رئيس المحدثين الشيخ أبي جعفر بن بابويه رحمه الله في كتاب النبوة بإسناده عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن إبليس أكان من الملائكة، أو كان يلي شيئا من أمر السماء؟فقال: لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء، وكان من الجن وكان مع الملائكة، وكانت الملائكة ترى أنه منها، وكان الله سبحانه يعلم أنه ليس منها، فلما أمر بالسجود لآدم، كان منه الذي كان (25).

وما وقع في القرآن من قوله: " إلا إبليس كان من الجن " (26).

ومن قوله: " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " (27).

فنفى المعصية عنهم نفيا عاما.

أبى واستكبر وكان من الكافرين: أي امتنع أشد امتناع عن قبول ما أمر به، وتعظم على آدم، وكان في علم الله قبل ظهور هذا الامتناع والاستكبار من الكافرين المطرودين، فظهر آخرا ما كان أولا.

وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين: رغدا وصف للمصدر، أي أكلا رغدا واسعا.

وقيل: الشجرة، الحنطة، وقيل: الكرمة، وقيل: التينة.

وفي عيون أخبار الرضا: بإسناده إلى عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحوا، وما كانت، فقد اختلف الناس فيها، فمنهم من يروي أنها الحنطة، ومنهم من يروي أنها العنب، ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد، فقال: كل ذلك، حق، قلت: فما معنى تلك الوجوه على اختلافها؟فقال: يا أبا الصلت، إن شجرة الجنة يحتمل أنواعا، وكانت شجرة الحنطة وفيها عنب ليست كشجرة الدنيا، وإن آدم لما أكرمه الله تعالى بإسجاد ملائكته وبإدخاله الجنة، قال في نفسه: هل خلق الله بشرا أفضل مني؟فعلم الله عز وجل ما وقع في نفسه، فناداه إرفع رأسك يا آدم وانظر إلى ساق عرشي، فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش، فوجد عليه مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب أمير المؤمنين و زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

فقال آدم: يا رب، من هؤلاء؟فقال عز وجل: هؤلاء من ذريتك، وهم خير منك ومن جميع خلقي، ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار، ولا السماء ولا الأرض، فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد، وتمني منزلتهم فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهى عنها، وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم، فأخرجهما الله تعالى من جنته، وأهبطهما عن جواره إلى الأرض (28).

وفي مجمع البيان: ولا تقربا هذه الشجرة، أي لا تأكلا منها، وهو المروي.

﴿فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتع إلى حين (36) فتلقى ادم من ربه كلمت فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37)﴾

عن الصادق (عليه السلام) (29).

وقيل: هي شجرة الكافور.

يروى عن علي (عليه السلام) (30).

فتكونا جزم عطف على تقربا، أو نصب جواب للنهي.

فأزلهما الشيطان عنها: أي الشجرة، أي بسببها.

فأخرجهما مما كانا فيه: من الجنة.

وقلنا: لآدم وحواء بالمشافهة، ولذريتهما بالتبعية.

اهبطوا بعضكم لبعض عدو: تتعادون.

ولكم في الأرض مستقر: أي محل استقرار.

ومتع: أي تمتع.

إلى حين: مجئ الموت أو القيامة.

فتلقى ادم من ربه كلمت فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم: والمراد بالكلمات، إما قوله: ربنا ظلمنا أنفسنا الآية، أو قوله: سبحانك اللهم وبحمدك و تبارك اسمك وتعالى جدك، لا إله إلا أنت ظلمت نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

والأصح أن المراد قوله: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين، بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم لما تفضلت علي بقبول توبتي.

﴿قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (38) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحب النار هم فيها خلدون (39) يبنى إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون (40)﴾

1- عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 12، ح 29.

2- النشر في القراءات العشر: ج 2، ص 209.

3- سورة الأعراف: الآية 86.

4- سورة الأنبياء: الآية 20.

5- سورة الحج: الآية 75.

6- سورة فاطر: الآية 1.

7- سورة الأنبياء: الآية 20.

8- من أراد التحقيق في البداء والروايات الواردة فيه والأقوال الدائرة عليه فليراجع إلى كتاب بحار الأنوار الطبعة الحديثة، ج 4، ص 93.

9- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 1، ص 36 - 41.

10- الظاهر أن الحديث منقول بالمعنى: ولعل المراد، أورده في البحار: ج 11، باب فضل آدم وحواء، ص 101، ح 6، في خبر ابن سلام انه سأل النبي (صلى الله عليه وآله) عن آدم لم سمي آدم؟قال: لأنه خلق من طين الأرض وأديمها، قال: فآدم خلق من الطين كله أو من طين واحد؟قال: بل من الطين كله. الحديث1 مجمع البيان: ج 1، ص 76، عند تفسيره للآية الشريفة: (وعلم آدم الأسماء).

11- كمال الدين وتمام النعمة: ص 13، مقدمة المصنف، السر في أمره تعالى الملائكة بالسجود لآدم.

12- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 77.

13- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 77.

14- لجرير بن عطية الخطفي التميمي، فالاستخدام فيه، لان للسماء معنيين: أحدهما المطر، والثاني ما ينبت في الأرض بسبب المطر، فأراد بلفظ السماء المطر ومن ضمير رعيناه ما ينبت في الأرض بسببه.

15- سورة مريم: الآية 4.

16- سورة الأعراف: الآية 143.

17- سورة الأنبياء: الآية 87.

18- سورة الزمر: الآية 9.

19- سورة الحجر: الآية 29.

20- تقدم في تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 1، ص 36 - 41.

21- هو أبو عبد الرحمن وأبو الوليد، حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري الخزرجي، المتوفى عام أربع وخمسين وله مئة وعشرون سنة. تنقيح المقال: ج 1، ص 264، تحت رقم 2420. وفي الارشاد للمفيد في باب طرف من أخبار أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 22: نسبه لخزيمة بن ثابت الأنصاري. وفي المناقب للخوارزمي: ص 8، نسبة إلى عباس بن عبد المطلب. وقبله: ما كنت أحسب أن الامر منحرف (منصرف) * عن هاشم ثم عنها عن أبي حسن أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعلم الناس بالآثار والسنن وبعده: وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن من فيه ما في جميع الناس كلهم * وليس في الناس ما فيه من الحسن ماذا الذي ردكم عنه فتعرفه * ها أن بيعتكم من أول الفتن.

22- سورة الإسراء: الآية 78.

23- البرهان في تفسير القرآن: ج 1، ص 76، الحديث 4.

24- مجمع البيان: ج 1، ص 82، في تفسيره لقوله تعالى: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ".

25- سورة الكهف: الآية 50.

26- سورة التحريم: الآية 6.

27- عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 306، باب 28، فيما جاء عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) من الاخبار المتفرقة، ح 67.

28- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 85، في تفسيره لقوله تعالى: " وقلنا يا آدم أسكن ".

29- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 85، في تفسيره لقوله تعالى: " وقلنا يا آدم أسكن ".

30- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 90.