المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد رسله وصفوة خلقه محمد وعترته الطاهرين.

لا شك ولا ريب في أن القرآن هو كتاب الله المنزل على رسوله لهداية الناس وإرشادهم وتزكيتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهو كتاب دستور لجميع البشرية من زمن نزوله إلى الأبدية، وهو الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل، والتبيان لكل شئ، والهادي لسبل الخير والصلاح، والمحذر عن كل شر وضلال، وهو كتاب الله القويم الذي لا يعتريه أي خطأ واشتباه، ولا تمسه أيدي المضلين، وهو الرابط بين الخالق وخلقه، والمبين لاحكام الله وشرايعه، وهو الكتاب الذي أعجز الكل من الجن والإنس من أن يؤتوا بمثله حتى سورة واحدة وأخبرهم بأنهم لا يقدرون على ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وهو الكتاب الذي بشر المتقين بالرحمة والرضوان وأوعد الكافرين بالغضب والنيران، وهو الكتاب الذي له بطون مختلفة وتأويلات عديدة كما أخبر الله سبحانه عنه " لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ".

ولتنوير البشرية بمفاهيمه ومعانيه وتطبيقه على مختلف شؤون الحياة الفردية و الاجتماعية اهتم المسلمون حين صدوره من المشرع الحكيم إلى رسوله العظيم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله في حفظه وتفسيره، وهذا الاعتناء والاهتمام قد استمر بعد وفاته صلوات الله عليه قرنا بعد قرن، فأخذ علماء الاسلام دقائق تفسيره و معانيه من معادن الحكمة والثقل الآخر للكتاب الكريم اللذين تركهما الرسول الأعظم وأخبر بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وهم أهل بيت الوحي ومن خوطب به، وهذه السيرة المباركة مستمرة إلى يومنا هذا وإن شاء الله ستستمر إلى زمان ظهور الحجة ابن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، ومن أولئك الأفذاذ في القرن الحادي عشر هو المحدث الخبير الميرزا محمد المشهدي القمي - قدس سره - الذي ألف تفسيرا بارعا أسماه ب? " كنز الدقائق وبحر الغرائب ".

وقد قامت المؤسسة بتطبيقه وتصحيحه وطبعه بعد أن تم تحقيقه واستخراج منابعه على يد الحجة العلامة الحاج آغا مجتبى العراقي أدام الله إفاضاته شاكرة مساعيه الوافرة، كما و تشكر حجة الاسلام والمسلمين الحاج الشيخ محمد هادي معرفة على ما قدم لهذا الكتاب من كلمة تشتمل على أهميته وحياة مؤلفه وآثاره العلمية سائلين المولى القدير أن يوفقنا جميعا لنشر ما يرتضيه إنه سميع مجيب مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

تقدم الشيعة في فنون التفسير:

بسم الله الرحمن الرحيم

أول من حاز قصب السبق في هذا المضمار الخطير هم أصحابنا الإمامية من شيعة أهل البيت عليهم السلام تأسيا بسيدهم الامام أمير المؤمنين عليه السلام، فقد كان أول من جمع القرآن وعلى هامشه الكثير من تفسير مجمله وتبيين معضله.

كان عليه السلام قد شرح أسباب النزول وبين مواقعه وتواريخه والافراد أو الجماعات الذين نزلت فيهم الآيات كما كان قد أشار إلى مواقع عموم الآيات من خصوصها ومطلقاتها ومقيداتها وناسخها ومنسوخها ومجملها ومبينها، بل وجميع ما يحتاج إليه المراجع عند فهم الآيات.

كل ذلك على الهامش تتميما للفائدة.

قال ابن جزي: ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير (1).

قال ابن سيرين: حدثني عكرمة عن مصحفه، قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يألفوه هذا التأليف ما استطاعوا فتتبعته وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه، فلو أصبت ذلك لكان فيه علم (2).

وقد قال هو عليه السلام عن مصحفه الذي جمعه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وبوصية منه: ولقد جئتهم بالكتاب مشتملا على التنزيل والتأويل (3).

والمراد من التنزيل بيان شأن النزول والمناسبة الداعية للنزول، وهو المعبر عنه بالتفسير الظاهري المتوافق مع ظاهر اللفظ.

وأما التأويل فهي الجهة العامة المقصودة من الآية، حيث خصوصية المورد لا توجب تخصيصا في عموم اللفظ، فكان عليه السلام قد بين مواضع استفادة العموم من أحكام الآيات التي تجري كما تجري الشمس والقمر.

قال الإمام الباقر عليه السلام: بطن القرآن تأويله، منه ما قد مضى ومنه ما لم يجئ، يجري كما تجري الشمس والقمر، كلما جاء تأويل شئ يكون على الأموات كما يكون على الاحياء.

(وقال: ) ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شئ، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض.

ولكل قوم آية يتلوتها هم منها من خير أو شر.

وقال الإمام الصادق عليه السلام: نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة (4).

هذه هي عمدة مهنة المفسر الخبير يستخرج عمومات الاحكام الجارية من مواردها الخاصة التي نزل بها القرآن الكريم، فيعلم بطن القرآن من ظهره وتأويله من تفسيره.

الامر المستصعب الذي لا يقوم به سوى المضطلعين بأسرار كلامه تعالى، وهم الأئمة من أهل البيت الذين هم أدرى بما في البيت.

قال تعالى: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " (5).

قال الصادق عليه السلام: إن الله علم نبيه التنزيل والتأويل فعلمه رسول الله عليا.

قال علي عليه السلام: ما نزلت آية إلا وأنا علمت فيمن أنزلت وأين أنزلت وعلى من أنزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا (6).

نعم لا يهتدي إلى ذلك سوى أولئك الذين هداهم الله إلى منابع فيضه وأبواب رحمته ممن تمسكوا بعرى أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وهم الاخصاء من شيعتهم ومواليهم.

قال الصادق عليه السلام: إنا أهل بيت لم يزل الله يبعث منا من يعلم كتابه من أوله إلى آخره.

(وقال: ) نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله.

وهذا هو المعنى بقوله صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

إذ لا يعرف الكتاب سوى أولئك الذين نزل في بيتهم.

قال تعالى: " وإنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون " (7).

إذن فلا غرو إذا ما وجدنا من أصحاب أئمة الهدى أسوة لأرباب التفسير وسائر علوم القرآن منذ العهد الأول فإلى القرون التالية ولا يزال.

هذا ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، معروف باضطلاعه بالتفسير والقرآن وقد كان المرجع الأول على عهد الخلفاء الأولين، فمن بعدهم في فهم القرآن وتأويل آياته، كان مرجعه في التفسير هو الاخذ عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام.

كان يقول: ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب (8).

وآثاره في التفسير هو الجم الغفير في المجاميع التفسيرية المدونة كجامع البيان للطبري والدر المنثور للسيوطي وتفسير القرطبي وابن كثير وغيرها من نوع التفسير بالمأثور.

أما التفسير المنسوب إليه المعروف به " تنوير المقباس " فهو من تأليف الفيروزآبادي صاحب القاموس، نعم يسند ما يرويه من روايات التفسير في مبدأ كل سورة إلى ابن عباس، عن طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.

وهذا الطريق من أضعف الطرق إلى ابن عباس.

قال جلال الدين السيوطي: وأوهى طرقه طريق الكلبي عن أبي صالح عنه.

(قال: ) فإن انضم إلى ذلك رواية السدي الصغير فهي سلسلة الكذب (9).

ومن التابعين سعيد بن جبير - الذي قتله الحجاج صبرا سنة 95 ه? كان قدوة في التفسير والقراءة.

قال الطبري: هو الثقة الحجة إمام المسلمين.

وقال ابن حبان: كان مجمعا عليه، عبدا فاضلا ورعا.

قال الذهبي: كان من كبار التابعين ومتقدميهم في التفسير والحديث والفقه (10).

وقال السيوطي: كان أعلم التابعين بالتفسير (11).

ثم محمد بن السائب الكلبي من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام - توفى سنة 146 ه? - له تفسير كبير معروف ب? " أحكام القرآن " وهو أول من دون في آيات الاحكام كتابا وكان قدوة لغيره في هذا الفن، وقد سار الشافعي في كتابه أحكام القرآن على منهاجه.

ومثله أبان بن تغلب بن رباح المتوفى سنة 141 ه?.

كان من خواص الامامين عليهما السلام، له كتاب معاني القرآن والقراءات والغريب من ألفاظ القرآن وغيرها.

وهكذا ابن أبي شعبة - المتوفى سنة 135 ه? ومقاتل بن سليمان وأبو بصير وأبو الجارود وأبو حمزة الثمالي كانت وفياتهم عام 150 ه?، لهم قدم وسبق تأليف في التفسير.

و السدي الكبير - المتوفى سنة 127 ه? - من أصحاب الإمام السجاد والإمام الباقر عليهما السلام.

وللفراء - المتوفى عام 208 ه? - كتاب معروف ب? " معاني القرآن " طبع أخيرا في ثلاث مجلدات ضخام.

كان قد أملاه على أصحابه في المسجد عن حفظه، كان أبو طلحة الناقط يقرأ عشرا من القرآن ثم يقول له: أمسك، فيملي من حفظه المجلس.

وعن أبي بديل: أردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لاملاء كتاب المعاني فلم يضبط قال: فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا.

يقول السمري في صدر الكتاب: هذا كتاب فيه معاني القرآن أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء عن حفظه من غير نسخة في مجالسه أول النهار من أيام الثلاثاوات والجمع في شهر رمضان وما بعده من سنة اثنتين وفي شهور سنة ثلاث وشهور من سنة أربع ومائتين (12).

ولمجاهد بن جبر المكان السامي في التفسير، كان أحد الاعلام الاثبات، مات سنة 104 ه?، وقد اعتمده البخاري كثيرا.

وعن الفضل أنه سمع مجاهدا يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة.

وعنه أيضا: عرضت القرآن عليه أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت.

وعن مصعب قال: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد.

وهكذا عكرمة مولى ابن عباس كان على مكانة عالية من التفسير.

قال ابن حبان: كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن.

وغيرهم من أقطاب العلم في مكة والمدينة كانوا مراجع الأمة.

وإذا كان أبو جعفر الطبري وجلال الدين السيوطي وغيرهما من أصحاب التفاسير المعروفة قد أخذوا رواياتهم في التفسير عن هؤلاء الأقطاب وهم إنما يسندون علومهم إلى كبار أئمة أهل البيت علي وبنيه عليهم السلام تعرف مبلغ تأثير مكانة أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله في بث العلوم والمعارف بين المسلمين.

وهكذا أصحاب التفاسير العقلية كالفخر الرازي جعل أساس تفسيره الكبير على تفسير أبي الفتوح الرازي، فكان هذا أصلا له يرجع إليه وأساسا بيني عليه بنيانه، وبذلك تعرف مبلغ تأثر التفاسير المعروفة عند أهل السنة بتفاسير علماء الإمامية سواء المنقول منها والمعقول.

إذن فكما كانت الشيعة الإمامية قدوة لسائر المسلمين في سائر العلوم الاسلامية، كذلك في علم التفسير الذي هو أهم العلوم وأخطرها وأعظمها شأنا.

ولا مجال لتعداد ما كتب في التفسير على يد علماء الإمامية حسب القرون، نعم يجدر بالذكر تفسير أبي النضر محمد بن مسعود العياشي - من علماء القرن الرابع الهجري - الذي فقد منه أكثره، ولا سيما وقد حذفت أسانيده لغاية الاختصار فيما بعد.

فقد حرمنا من كمال فيض هذا التفسير القيم العظيم.

وتفسير علي بن إبراهيم القمي - من علماء القرن الثالث - وهو تفسير بالمأثور كامل.

ولكن الأهم من ذلك تفسير التبيان، ذلك التفسير الضخم القيم الذي قام بتأليفه شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى عام 460 ه? وهو أول تفسير مدون جمع فيه من علوم القرآن أشتاته، وتوفرت فيه من صنوف التفسير أفنانه.

ثم قام الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي - المتوفى عام 552 ه? - بتهذيبه وترتيبه مع إضافات في مجموعة باسم " مجمع البيان " تفسيرا جامعا رائعا.

وفي هذا الاوان قام المفسر المضطلع الشيخ أبو الفتوح الحسين بن علي بن أحمد الخزاعي الرازي بتدوين مجموعة كبرى في علوم التفسير باسم " روض الجنان وروح الجنان " باللغة الفارسية القديمة خدمة لأبناء عقيدته من أمة الفرس الموالين لأهل البيت عليهم السلام.

وهكذا استمر ظهور تفاسير قيمة عبر القرون المتتالية قد يطول الكلام بذكر جميعها، وإنما نذكر ما يرتبط وموضوع تفسيرنا الحاضر.

مذاهب تفسيرية

هناك نجد تنوعا في وجه التفاسير حسب تنوع الاختصاصات التي كان يحملها أرباب التفسير في مختلف العلوم والمعارف.

فصاحب العلوم العقلية يبدو على تفسيره كثير من لمحات البراهين الفلسفية والاستدلالات العقلية منطبقا عليها وجوه الآيات المختلفة.

وصاحب الحديث كان يهمه تفسير القرآن بالمأثور من روايات السلف.

وصاحب الأدب إنما أعجبته أساليب القرآن البلاغية في فنون المعاني والبيان والبديع، ورعاية قواعد اللغة والنحو والتصريف.

وهكذا أصحاب القراءات وغيرهم في مختلف شؤون القرآن وهي كثيرة.

ومن التفسير بالمأثور - بعد تفسير العياشي والقمي - تفسير الصافي للمولى محمد المحسن الفيض الكاشاني المتوفى سنة 1091 ه? وكان صاحب تفسيرنا الحاضر " كنز الدقائق " تلميذا له ومتأثرا بأسلوبه في التفسير كثيرا، ونجد هذا التأثير جليا في تفسيره.

كان الفيض قد مزج في تفسيره بين العقل والنقل حسبما عبر، فأتى بالمنقول من أحاديث أهل البيت عليهم السلام مردفا لها بما راقه من تأويلات عقلية قريبة أو بعيدة.

الامر الذي نلمسه في تفسير الكنز بوضوح.

وهكذا تأثر صاحبنا بتفسير آخر لم يحد عن طريقة المنقول وهو تفسير " نور الثقلين " لعبد العلي بن جمعة الحويزي المتوفى سنة 1053 ه?.

ولعله تتلمذ عنده أيضا.

ونظيره البرهان في تفسير القرآن للمحدث الشهير السيد هاشم البحراني المتوفى عام 1107 ه?، جمع فيه من شتات الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام حول لفيف من آيات القرآن.

تفسير كنز الدقايق وبحر الغرائب:

أما تفسيرنا الحاضر فهو حصيلة ما سبقه من أمهات تفاسير أصحابنا الإمامية، جمع فيه من لباب البيان وعباب التعبير أينما وجده طي الكتب والتأليف السالفة.

فقد اختار حسن تعبير أبي سعيد عبد الله بن عمر الشيرازي البيضاوي في تفسيره " أنوار التنزيل وأسرار التأويل " كما فعله أستاذه وشيخه المقدم - المولى الفيض الكاشاني في الصافي - من قبل.

كما انتخب من أسلوب الطبرسي في المجمع ترتيبه وتبويبه، مضيفا إليه ما استحسنه من كشاف الزمخشري وحواشي العلامة الشيخ البهائي، كما صرح هو في مقدمة تفسيره.

فصار تأليفه مجموعة خير الأقوال وأحسن الآثار، حسبما جاء في تقريظ العلمين " المجلسي والخوانساري " على الكتاب.

قال السيد الأمين: وجدنا من كتاب كنز الدقائق مجلدا كبيرا مخطوطا وعلى ظهر النسخة تقريظ بخط آقا جمال الدين الخوانساري قال فيه: أما بعد، فقد أيد الله تعالى بفضله الكامل، جناب المولى العالم العارف الألمعي الفاضل، مجمع فضائل الشيم، جامع جوامع العلوم والحكم، عالم معالم التنزيل وأنواره، عارف معارف التأويل وأسراره، حلال كل شبهة عارضة، كشاف كل مسألة دقيقه غامضة، الذي أحرق بشواظ طبعه الوقاد شوك الشكوك والشبهات، ونقد بلحاظ ذهنه النقاد نقود الأحكام الشرعية المستفادة من الآيات والروايات، أعني المكرم بكرامة الله الاحد الصمد، مولانا ميرزا محمد، أعانه الله في كل باب، وأثابه جزيل الثواب، إذ وفقه الله لتأليف هذا الكتاب الكريم في تفسير القرآن، وجمعه من التفاسير المعتبرة، وسائر كتب الاخبار المشتهرة، فهو كاسمه " كنز الدقائق وبحر الغرائب " الذي يصادف بغوص النظر فيه أصداف درر الحقائق، فنفع الله به الطالبين، وجعله ذخرا لمؤلفه الفاضل يوم الدين.

وأنا العبد المفتقر إلى عفو ربه الباري، جمال الدين محمد بن حسين الخوانساري، أعانهما الله تعالى يوم الحساب، وأوتيا فيه بيمينهما الكتاب.

وقد كتب ذلك في شهر محرم الحرام من شهور سنة 1107.

وكتب المجلسي عليه أيضا - بعد البسملة ما صورته -: لله در المولى الأولى الفاضل الكامل المحقق المدقق البدل النحرير، كشاف دقائق المعاني بفكره الثاقب، ومخرج جواهر الحقائق برأيه الصائب، أعني الخبير الأسعد الأرشد مولانا ميرزا محمد، مؤلف هذا التفسير، لا زال مؤيدا بتأييدات الرب القدير.

فلقد أحسن وأتقن، وأفاد وأجاد فسر الآيات البينات بالآثار المروية عن الأئمة الأطياب، فامتاز من القشر اللباب، وجمع بين السنة والكتاب، وبذل جهده في استخراج ما تعلق بذلك من الاخبار، وضم إليها لطائف المعاني والاسرار، جزاه الله عن الايمان وأهله خير جزاء المحسنين، وحشره مع الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

كتب بيمناه الوزارة الداثرة أفقر العباد إلى عفو ربه الغني محمد باقر بن محمد تقي، أوتيا كتابهما بيمناهما، وحوسبا حسابا يسيرا، في يوم عيد الغدير المبارك من سنة ألف ومائة واثنتين، والحمد لله أولا وآخرا، والصلاة على سيد المرسلين محمد وعترته الأكرمين الأطهرين (13).

ومن هذين التقريظين من هذين العلمين تعرف قيمة هذا التفسير ومحله الارقى من التحقيق والجمع والتدقيق.

كما يبدو منهما جلالة مؤلفه ومكانته السامية من العلم والأدب والفضيلة.

والامر كذلك بعد مراجعة التفسير نفسه فإنه - رحمه الله - وان جهد في مراجعة أمهات كتب التفسير والحديث مضافا إلى الأدب والبيان، لكنه بفضل تضلعه في فنون الأدب واللغة والفقه والتفسير والحديث والكلام والحكمة المتعالية نراه قد أخذ ولكن أخذ تحقيق، ونقل ولكن نقل تمحيص، مصداقا لقوله تعالى: " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " (14) وهذا هو عين التحقيق وليس تقليدا مقيتا كما زعم.

وعليه فبحق أقول: إن هذا التفسير جامع كامل وكاف شاف، يغني عناء مراجعة كثير من التفاسير المعتبرة بعد هذا الغناء والكفاية، فلله در مؤلفه وجزاه الله عن الاسلام والقرآن خير جزاء.

وإليك ما ذكره العلامة المتتبع الشيخ آغا بزرگ الطهراني بشأن هذا التفسير، قال: وهذا التفسير مقصور على ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام نظير تفسير " نور الثقلين " لكنه أحسن منه بجهات: لذكره الأسانيد، وبيان ربط الآيات وذكر الاعراب، وكأنه مقتبس منه لكنه بزيادات فصار أكبر حجما.

وقد يتكلم بما هو مخالف لما في نور الثقلين (15).

وقال المحقق النوري: هو من أحسن التفاسير وأجمعها وأتمها وهو أنفع من الصافي ونور الثقلين (16).


1- التسهيل لعلوم التنزيل: ج 1 ص 4.

2- طبقات ابن سعد: ج 2 ق 2 ص 101.

3- آلاء الرحمان: ج 1 ص 18.

4- تفسير البرهان: ج 1 ص 19 و 21 و 22.

5- آل عمران: 7.

6- البرهان: ج 1 ص 17.

7- الواقعة: 77 - 79.

8- التفسير والمفسرون للذهبي: ج 1 ص 90.

9- الاتقان: ج 2 ص 189.

10- التفسير والمفسرون: ج 1 ص 102.

11- الاتقان: ج: 2 ص 189.

12- راجع مقدمة المعاني، ص 13 و 14.

13- أعيان الشيعة: ج 9 ص 408 ط دار التعارف، بيروت.

14- الزمر: 18.

15- الذريعة: ج 18 ص 152.

16- الفيض القدسي: ص 100.