سورة الملك
تسمى سورة المنجية لأنها تنجي صاحبها من عذاب القبر وتسمى الواقية وهي مكية عدد آيها إحدى وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) تبارك الذي بيده الملك بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها وهو على كل شئ قدير.
(2) الذي خلق الموت والحياة القمي قال قدرهما ومعناه قدر الحياة ثم الموت.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) إن الله خلق الحياة قبل الموت.
وعنه (عليه السلام) الحياة والموت خلقان من خلق الله فإذا جاء الموت فدخل في الانسان لم يدخل في شئ إلا وقد خرجت منه الحياة ليبلوكم ليعاملكم معاملة المختبر بالتكليف أيكم أحسن عملا وذلك لان الموت داع إلى حسن العمل وموجب لعدم الوثوق بالدنيا ولذاتها الفانية والحياة يقتدر معها على الأعمال الصالحة الخالصة.
في المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه سئل عن قوله أيكم أحسن عملا ما عنى به فقال يقول أيكم أحسن عقلا ثم قال أتمكم عقلا وأشدكم لله خوفا وأحسنكم فيما أمر الله به ونهى عنه نظرا وإن كانوا أقلكم تطوعا وفي رواية قال أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) ليس يعني أكثر عملا ولكن أصوبكم عملا وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة ثم قال الابقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل والنية أفضل من العمل ألا وأن النية هو العمل ثم تلا قوله عز وجل قل كل يعمل على شاكلته يعني على نيته.
أقول: لعل المراد بالابقاء على العمل أن لا يحدث به إرادة الحمد من الناس حتى يبقى خالصا لله ولا يخفى أنه أشد من العمل وهو العزيز الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل الغفور لمن تاب منهم.
الذي خلق سبع سماوات طباقا متطابقة.
القمي عن الباقر (عليه السلام) بعضها فوق بعض ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت من اختلاف القمي قال يعني من فساد وقرئ من تفوت وهو بمعناه فارجع البصر هل ترى من فطور من خلل قيل يعني قد نظرت إليها مرارا فانظر إليها مرة أخرى متأملا فيها لتعاين ما أخبرت به من تناسبها واستقامتها.
(4) ثم ارجع البصر كرتين أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبيك وسعديك والقمي قال انظر في ملكوت السماوات والأرض ينقلب إليك البصر خاسئا بعيدا عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طردا بالصغار وهو حسير كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة.
(5) ولقد زينا السماء الدنيا أقرب السماوات إلى الأرض بمصابيح القمي قال بالنجوم وجعلناها رجوما للشياطين ترجم بها جمع رجم بالفتح بمعنى ما يرجم به قيل أريد به انقضاض الشهب المسببة عنها وقيل أي رجوما وظنونا لشياطين الانس وهم المنجمون وأعتدنا لهم عذاب السعير في الآخرة بعد الاحراق بالشهب في الدنيا.
(6) وللذين كفروا بربهم من الشياطين وغيرهم عذاب جهنم وبئس المصير.
(7) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا صوتا كصوت الحمير وهي تفور تغلي بهم غليان المرجل بما فيه.
(8) تكاد تميز من الغيظ تتفرق غضبا عليهم وهو تمثيل لشدة اشتعالها.
القمي قال من الغيض على أعداء الله كلما ألقى فيها فوج جماعة منهم سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير يخوفكم هذا العذاب وهو توبيخ وتبكيت.
(9) قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال كبير أي فكذبنا الرسل وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا الانزال والارسال رأسا وبالغنا في نسبتهم إلى الضلال.
(10) وقالوا لو كنا نسمع كلام الرسل فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتمادا على صدقهم أو نعقل فنفكر في حكمه ومعانيه تفكر المستبصرين ما كنا في أصحاب السعير في عدادهم وفي جملتهم.
(11) فاعترفوا بذنبهم حين لا ينفعهم فسحقا لأصحاب السعير فأسحقهم الله سحقا أي أبعدهم بعدا من رحمته وقرئ فسحقا بضمتين والقمي قال قد سمعوا وعقلوا ولكنهم لم يطيعوا ولم يقبلوا كما يدل عليه اعترافهم بذنبهم.
وفي الاحتجاج في خطبة الغديرية النبوية إن هذه الآيات في أعداء علي وأولاده (عليهم السلام) والتي بعدها في أوليائهم.
(12) إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة لذنوبهم وأجر كبير تصغر دونه لذائذ الدنيا.
(13) وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور بالضمائر قبل أن يعبر بها سرا أو جهرا.
(14) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن وإن صغر ولطف لا يعزب عنه شئ ولا يفوته روي أن المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء فيخبر الله بها رسوله فيقولون أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد (صلى الله عليه وآله) فنبه الله على جهلهم.
(15) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا لينة يسهل لكم السلوك فيها فامشوا في مناكبها في جوانبها أو جبالها قيل هو مثل لفرط التذلل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شئ منها لم يتذلل وكلوا من رزقه والتمسوا من نعم الله وإليه النشور المرجع فيسألكم عن ما أنعم عليكم.
(16) أأمنتم من في السماء يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم وقرئ وأمنتم بقلب الهمزة الأولى واوا لانضمام ما قبلها وبقلب الثانية ألفا أن يخسف بكم الأرض فيغيبكم فيها كما فعل بقارون فإذا هي تمور تضطرب.
(17) أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا أن يمطر عليكم حصبا فستعلمون كيف نذير كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ.
(18) ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير إنكاري عليهم بانزال العذاب وهو تسلية للرسول (صلى الله عليه وآله) وتهديد لقومه.
(19) أو لم يروا إلى الطير فوقهم صفت باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها ويقبضن ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتا بعد وقت للاستعانة به على التحرك ما يمسكهن في الجو على خلاف الطبع إلا الرحمن الواسع رحمته كل شئ إنه بكل شئ بصير يعلم كيف ينبغي أن يخلقه.
(20) أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن يعني أو لم تنظروا في أمثال هذه الصنائع فتعلموا قدرتنا على تعذيبكم بنحو خسف أو إرسال حاصب أم هذا الذي تعبدونه من دون الله لكم جند ينصركم من دون الله أو يرسل عليكم عذابه فهو كقوله أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا وفيه إشعار بأنهم اعتقدوا القسم الثاني إن الكافرون إلا في غرور لا معتمد لهم.
(21) أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بإمساك المطر وسائر الأسباب المحصلة والموصلة له إليكم بل لجوا تمادوا في عتو عناد ونفور وشراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه.
(22) أفمن يمشى مكبا على وجهه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعورة طريقه بحيث لا يستأهل أن يسلك أهدى أمن يمشى سويا قائما سالما من العثار على صرط مستقيم مستوي الاجزاء والجهة صالح للسلوك والمراد تمثيل للمشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين.
في الكافي والمعاني عن الباقر (عليه السلام) القلوب أربعة قلب فيه نفاق وإيمان وقلب منكوس وقلب مطبوع وقلب أزهر أنور قال فاما المطبوع فقلب المنافق وأما الأزهر فقلب المؤمن إن أعطاه الله عز وجل شكر وإن ابتلاه صبر وأما المنكوس فقلب المشرك ثم قرأ هذه الآية وذكر الرابع.
وفي الكافي عن الكاظم (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية فقال إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي (عليه السلام) كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لامره وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم والصراط المستقيم أمير المؤمنين (عليه السلام).
(23) قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة لتسمعوا مواعظه وتنظروا إلى صنايعه وتتفكروا وتعتبروا قليلا ما تشكرون باستعمالها فيما خلقت لأجلها.
(24) قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون للجزاء.
(25) ويقولون متى هذا الوعد أي الحشر إن كنتم صادقين يعنون النبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين.
(26) قل إنما العلم أي علم وقته عند الله لا يطلع عليه سواه وإنما أنا نذير مبين.
(27) فلما رأوه زلفة أي ذا قرب (1) سيئت وجوه الذين كفروا بان عليها الكآبة وساءتها رؤيته وقيل هذا الذي كنتم به تدعون تطلبون وتستعجلون من الدعاء.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) هذه نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه الذين عملوا ما عملوا يرون أمير المؤمنين (عليه السلام) في أغبط الا ماكن لهم فيسئ وجوههم ويقال لهم هذا الذي كنتم به تدعون الذي انتحلتم اسمه وفي المجمع عنه (عليه السلام) فلما رأوا مكان علي من النبي (صلى الله عليه وآله) سيئت وجوه الذين كفروا يعني الذين كذبوا بفضله وعن الأعمش قال لما رأوا ما لعلي بن أبي طالب عند الله من الزلفى سيئت وجوه الذين كفروا والقمي قال إذا كان يوم القيامة ونظر أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) إليه وإلى ما أعطاه الله من الكرامة والمنزلة الشريفة العظيمة وبيده لواء الحمد وهو على الحوض يسقي ويمنع تسود وجوه أعدائه فيقال لهم هذا الذي كنتم به تدعون منزلته وموضعه واسمه.
(28) قل أرأيتم إن أهلكني الله أماتني ومن معي من المؤمنين أو رحمنا بتأخير آجالنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم أي لا ينجيهم أحد من العذاب متنا أو بقينا وهو جواب لقولهم نتربص به ريب المنون.
(29) قل هو الرحمن الذي أدعوكم إليه مولى النعم كلها آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين منا ومنكم وقرئ بالياء.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) فستعلمون يا معشر المكذبين حيث أنبأتكم رسالة ربي في ولاية علي والأئمة (عليهم السلام) من بعده من هو في ضلال مبين كذا نزلت.
(30) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا غائرا في الأرض بحيث لا تناله الدلاء فمن يأتيكم بماء معين جار أو ظاهر سهل التناول القمي قال أرأيتم إن أصبح إمامكم غائبا فمن يأتيكم بإمام مثله.
وعن الرضا (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية فقال ماؤكم أبوابكم الأئمة (عليهم السلام) والأئمة أبواب الله فمن يأتيكم بماء معين أي يأتيكم بعلم الامام.
وفي الكافي عن الكاظم (عليه السلام) إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد.
وفي الاكمال عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عن تأويلها فقال إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون.
وعنه (عليه السلام) قال نزلت هذه الآية في الإمام القائم (عليه السلام) يقول إن أصبح إمامكم غائبا عنكم لا تدرون أين هو فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماوات والأرض وحلال الله وحرامه ثم قال (عليه السلام) والله ما جاء تأويل هذه الآية ولابد أن يجئ تأويلها.
في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق (عليه السلام) من قرأ تبارك الذي بيده الملك في المكتوبة قبل أن ينام لم يزل في أمان الله حتى يصبح وفي أمانه يوم القيامة حتى يدخل الجنة اللهم ارزقنا تلاوته.
1. أي لا تمسكوا بنكاح الكافرات، وأصل العصمة المنع وسمي النكاح عصمة لان المنكوحة في حال الجواز وعصمته. .